نبوءة الرزاز!

تم نشره الإثنين 15 كانون الثّاني / يناير 2018 12:22 صباحاً
نبوءة الرزاز!
محمد ابو رمان

قبل قرابة 7 أعوام ألقى د.عمر الرزاز، وزير التربية والتعليم حالياً، محاضرة مهمة في الجامعة الأردنية عن الربيع العربي، متحدّثاً فيها عن ضرورة أن يتزاوج التفكير في تغيير الأنظمة (في الدول التي سقط حكّامها) بتغيير ديناميكيات النظام، وأهم ما في ذلك نمط العلاقة بين الدولة والمواطن، القائم على العلاقة الرعوية- الزبائنية (دولة الريع، الوظائف، الولاءات)، وإلاّ فإنّنا سنعيد إنتاج الأزمة ذاتها!
بعد ذلك نُشرت هذه المحاضرة كدراسة علمية محكّمة (في المركز العربي للدراسات في قطر)، بعنوان "الطريق الصعب: نحو عقد اجتماعي عربي جديد: من دولة الريع إلى دولة الإنتاج"، وحازت – الدراسة- على جائزة أفضل بحث علمي عربي منشور، في العلوم الاجتماعية، لعامي 2011 - 2012.
كتبتُ عن المحاضرة والدراسة أكثر من مقال، خلال تلك الأعوام الأولى، لأنّها بالفعل جاءت بأفكار وتصوّرات عميقة سابقة لما سيحدث لاحقاً – ونراه اليوم من احتجاجات في تونس، وقبلها المغرب، وبينهما إيران- عن عدم جدوى تغيير "رأس النظام" إذا لم يكن ذلك مرتبطاً بتغييرات أعمق وأهم للبنى الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، والتحوّل من دول ريعية إلى دول إنتاجية، بما يحمله ذلك من ديناميكيات اقتصادية، وثقافة سياسية جديدة، وقيم اجتماعية مغايرة.
وبالرغم من أنّ الرزاز، الذي تحدّث في بداية الربيع العربي، عن هذه المعادلة، وعن جوهر العقد الاجتماعي المطلوب، كان خجولاً –بعض الشيء- ولم يرد أن يحبط الشعوب العربية في القول بصورة قطعية بأنّ النتائج المرجوة في التحرر السياسي لن تتأتى في ظل المعادلات الاقتصادية الراهنة، إلاّ أنّ مضمون المحاضرة والدراسة واضحان تماماً في التحذير من رفع سقف التفاؤل من دون التفكير الموازي الجدّي بأهمية التغيير الاقتصادي الموازي.
وللتذكير، فقد حدّد الرزاز في ورقته الأسس الجوهرية للتغيير الجوهري المطلوب، وجعلها ثمانية أعمدة: فصل السلطات، وفصل الدين عن الدولة والقبول بالآخر، وحاكمية الثروة الوطنية والمال العام، والاقتصاد الإنتاجي التنافسي، وسوق العمل: من التهميش إلى التشغيل الإنتاجي، ومن عنصر بشري مذعن إلى عنصر بشري خلاق والعدالة الاجتماعية: من محاصصة الريع إلى إعادة توزيع الدخل والحماية الاجتماعية، ومن تشرذم عربي إلى تكامل وتكتل عربي. 
ذلك لا يعني أنّ الرزاز هو من مدرسة التغيير الاقتصادي يأتي أولاً وترحيل أو تأجيل عملية التحول الديمقراطية، فهو على النقيض من ذلك تماماً يرى بأنّ عملية التغيير الاقتصادي لا بد أن تتم ضمن منظومة سياسية قائمة على الشراكة والمساءلة والشفافية والحوكمة الجيّدة، وذلك من الصعب أن يتم تحقّقه إلاّ في أنظمة ديمقراطية تعددية. لكنّه استبق الأمر وحذّر في أنّ الربيع العربي، الذي عقدت عليه الشعوب، والطبقة الوسطى تحديداً، الآمال العظيمة لإخراجنا من النفق المظلم، لن يزهر، إلا إذا تحققت شروط معينة، ومن الضروري إدراك ذلك حتى لا نقع في ورطة خيبات الآمال والمفاجأت والإحباط، وهو ما حدث فعلاً.
بمعنى أنّ الرجل حاول تقديم وصفة –في البدايات- لإنجاح الربيع العربي، والوعي المطلوب أن يتزامن ويتصاحب معه، لكنّ الحركات السياسية والآمال الشعبية المأخوذة بالتغييرات الدراماتيكية في تلك اللحظة، لم تنتبه إلى تلك الوصفة المهمة، وكما يعترف معارضون عرب، أصبحوا في السلطة لاحقاً" لم نكن نتوقع أنّ الأمور بهذا التعقيد، كنّا نظن المسألة أبسط بكثير!
اليوم في الأردن، ونحن نخطو نحو مفهوم "الاعتماد على الذات"، فإنّ ذلك –في المقابل- يعني عقداً مجتمعياً جديداً، من الضروري أن تتزاوج فيه الإصلاحات الاقتصادية مع الثقافية والسياسية، لأنّ العكس صحيح تماماً أيضاً.

الغد 2018-01-15



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات