مؤشر الهشاشة وصفقة الوهم الأمريكي

خلال ستة اشهر في حال انسحاب القوات الامريكية، وان حكومة بلاده ستنهار خلال 3 ايام من سحب الدعم الامريكي. قال ذلك في مقابلة مع محطة سي بي اس الامريكية.
هشاشة منقطعة النظير فبعد ان انفقت الولايات المتحدة الامريكية ترليون دولار في حربها على افغانستان، واستخدمت ما في جعبتها من ترسانتها التقليدية «ام القنابل» فإن النتيجة النهائية لكل ذلك صفر.
الأسوأ ان أداءها الدبلوماسي وسياساتها الخارجية تعاني من القدر ذاته من الهشاشة والضعف؛ فما إن اندلعت المواجهة مع باكستان حتى تهاوت اركان دبلوماسيتها وادواتها التي لم تردع الباكستان عن تحقيق مزيد من التقارب مع بكين؛ ذلك ان وقف المساعدات السنوية المقدرة بما يزيد على 250 مليون دولار لم تمنع باكستان من ايقاف التعاون العسكري والاستخباري مع واشنطن، ورغم عويل ترمب وصراخه بأن امريكا قدمت 33 مليار دولار فإن الباكستان لم تتأخر في الاعلان عن تطوير احد موانئها ليتحول الى قاعدة بحرية صينية.
الهشاشة ذاتها في علاقتها مع دول جنوب شرق أسيا والباسفيك المتعلقة بالسوق الصينية والمعنية بالتفاهم مع بكين للوصول الى حلول سياسية لأزمة شبه الجزيرة الكورية؛ إذ لم تعد تثق بالدبلوماسية الامريكية والتهور المرافق لها وباتت اكثر ميلا للاعتماد على النفس فكوريا الجنوبية لديها مشاريع خاصة لتصنيع حاملة طائرات.
لا يختلف الحال كثيرا غرب افريقيا فأمريكا تريد ان تشعل حربا ضروسا على النفوذ الصيني وتعزز حضورها بحجة مكافحة الارهاب في حين ان الدول الافريقية تريد حلولا تنموية وبيئية لمشاكلها،؛ وليس الى حروب وقواعد عسكرية امريكية سخيفة يمارس فيها الجنود الامريكان بطولات وهمية تشبه افلام ارنولد شوازنجر.
في العالم العربي ايضا تعاني الولايات المتحدة من هشاشة منقطعة النظير خصوصا بعد اندلاع الازمة الخليجية وفشلها في محاصرة ايران وابطال الاتفاق النووي، وعجزها عن التعامل مع ملف الازمة اليمنية، والاهم المواجهة مع تركيا والتوتر المستمر في العلاقات خصوصا نتيجة الاصرار الامريكي على دعم الاكراد الانفصاليين في سوريا، رغم تلقيها ضربة قوية في اقليم كردستان العراق بعد الاستفتاء على الانفصال فهي لم تتعلم الدرس بعد. 
في زحام هذه الملفات فإن الملف الفلسطيني ليس استثناء؛ فما قامت به الولايات المتحدة من إعلان نقل سفارتها الى القدس هيأ المناخ لسلسلة من التفاعلات ستنطلق بمجرد اي تغير ولو بسيط في المتغيرات الحساسة في الاقليم؛ فهناك الساعة البيولوجية التي تدق بقوة مهيئة المناخ لإرباك المشهد الفلسطيني الداخلي، وهناك احتمالية تصاعد التوتر وتطور الانتفاضة في الضفة الغربية الى مواجهات واسعة ومتعددة الاشكال والادوات، وهناك اخيرا احتمال كبير ومتوقع لاندلاع مواجهة مع المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة.
اندلاع مواجهة واسعة في فلسطين رغم كلفتها المرتفعة ستوفر المناخ المناسب لإطلاق تفاعلات متسلسلة في المنطقة تفوق قدرة الولايات المتحدة الامريكية على وقفها، خصوصا ان القوى والادوات التقليدية التي تعتمد عليها لم تعد تتمتع بالدور القيادي المؤثر والفاعل واصبح تحديها مصدر للشرعية وباب من ابواب التسلية السياسية؛، فضلا عن كونها توفر بسبب سذاجتها وتهورها وقودا وفيرا للمناورة السياسية. 
اخيرا فإن القوى الدولية والاقليمية المستاءة والمتحفزة لاستثمار اي انتكاسة في النفوذ الامريكي ستسارع الى استثمار الصراع الفلسطيني لإطلاق تفاعلات متسلسلة ايضا في العديد من بؤر التوتر والنقاط الساخنة المشتبكة فيها مع الولايات المتحدة الامريكية، لتبدأ مرحلة جديدة؛ فالحسابات في العام 2018 لم تعد هي ذاتها الحسابات 1991؛ فالقراءة السياسية تستند الى ارضية صلبة تدفع القوى الدولية والاقليمية الى الاستعداد لمواجهة العصر لا الى صفقة الوهم الامريكي.

السبيل 2018-01-16