اسرائيل وستانات اسيا وافريقيا

منذ تأسيسها ، بل قبل هذا التأسيس سعت الصهيونية من خلال الرواد الاوائل الى تهيئة مناخات صالحة لتمددها ، وابتكرت اسلحة عابرة للقارات لكنها اسلحة ناعمة ، لعبت الثقافة فيها دور المبشر احيانا ودور المزيف لحقائق التاريخ احيانا اخرى ، وهي شان كل الفلسفات التي لا ترتكز الى التاريخ قدر ارتكازها على الاسطورة اعتمدت على الميديا وسلحتها بايديولوجيا تعددت اقنعتها الدينية لكن وجهها الحقيقي الوحيد هو ذاك الوجه القبيح الذي عاد اخيرا بكل ملامحه حسب اعتراف بيرنر ، الذي لا يزال يقدم الوصفات والمساحيق التجميلية لوجه اسرائيل الذي اصبح سافرا بعد العدوان على غزة.
وكان الرهان الصهيوني كما تفتضحه مذكرات بن غوريون ومن ورثوا عنه الحمولة الصهيونية ذاتها على نفوذ مزدوج ، فمن الناحية الاقتصادية كان المجال فسيحا في بعض الاماكن التي يعصف بها الجوع والتخلف والجهل ، لكن من الناحية السياسية بدأ الرهان على تجزئة الكيانية العربية عبر متوالية من الانشطارات بحيث يتم تهجير الصراع من سياقه التاريخي الاصيل مع الصهيونية الى سياق جغرافي مصطنع.
اصابع اسرائيل في السودان لم تكن بحاجة الى محاضرة افي ريختر كي تحشى فيها خواتم الماس الاسود ، فهي استطالت باتجاه اسيا وافريقيا ، لتمارس استراتيجية اعلن عنها اكثر من قائد وجنرال وحاخام في اسرائيل وهي استغلال بؤر الصراع في العالم ، وبالتالي ممارسة نوع من الصيد في الماء العكر سواء كان في انفجارات اثنية داخل اسيا او في شعاب افريقيا التي لم يتنبه اليها العرب الا بعد فوات الاوان.
من السودان الى كردستان الى سائر ستانات اسيا وافريقيا يتمدد الاخطبوط ، بحثا عن مجالات حيوية للاقتصاد والدبلوماسية معا ، وحين قال البعض ان لاسرائيل دور ينافس دور البطولة في تشظية البلدان التي تستشعر الخطر منها رد عليهم بلسان بارد هؤلاء الذين استبعدوا المؤامرة من خطابهم السياسي بل من كل المعادلات الكونية ، فوقعوا من حيث لا يدرون في النقيض الخطأ وهو حذف المؤامرة ، خصوصا اذا كان المقصود بمصطلح المؤامرة شيء اخر يتجاوز الدسائس الدولية بالمقياس التقليدي ، فالاستراتيجيات والميتا استراتيجيات ايضا تكرس لاستغلال الفرص ، وان كانت احيانا اشبه باستراتيجية الضباع التي تنتظر الحيوانات القوية ان تفرغ من التهام الفريسة لتجهز عليها وتمتص ما تبقى من نخاعها،
ان اكثر ما كانت تخشاه الصهيونية في بواكير مشروعها هو التئام العرب ولو في حد ادنى من الامن القومي ، فهي تخشى تيار النهر الجارف وتستهدف تحوله الى مجموعة من القنوات بل المستنقعات الداجنة والتي لا هاجس لها غير مجرد البقاء.
ان ما نشر حتى الان عن اذرع الاخطبوط الاسرائيلي في افريقيا بدءا من السودان ليس سوى الجزء الناتئ من جبل الجليد الغاطس في المحيط ، وقد يتضح ذات يوم ان العرب قدموا خدمات جليلة لاسرائيل بمعزل عن النوايا ، فإذا كانت التجزئة هدفها فهم تولوا هذه المهمة وان كان الانكفاء داخل شرانق محلية هدفا اخر فقد حققوه وهم اخر من يعلمون،
لقد قرأت بل استقرأت اسرائيل واقعنا بكل تفاصيله وما يختفي بين سطوره ، لكننا كعرب لا نزال نعاني من امية مزمنة في قراءة اعدائنا وما ينصبونه من افخاخ في طريق المستقبل،، (الدستور)