زيارة بنس وسراب الناتو

تم نشره الأحد 21st كانون الثّاني / يناير 2018 12:09 صباحاً
زيارة بنس وسراب الناتو
حازم عياد
تأتي زيارة نائب الرئيس الامريكي بنس في سياق دولي واقليمي لا يعمل لصالح الفيدرالية الامريكية؛ فنفوذها بات مهددا في وسط أسيا، واضعا الصين وروسيا على بوابة المحيط الهندي والخليج العربي، محفزا الفيدرالية الامريكية وعلى نحو متهور ومتسرع للعمل على تدعيم دفاعاتها في المنطقة العربية قبل ان تنهار استراتيجيتها في افغانستان ووسط أسيا؛ فأمريكا تفقد حلفاءها واحداً تلو الآخر يوما بعد آخر بدءا بباكستان وليس انتهاء بتركيا.
بنس يسعى الى تدعيم دفاعات امريكا في سوريا والخليج العربي، مستعينا بالكيان الاسرائيلي وقوى متطرفة ودول عربية حائرة، مستبقا الانهيار الكبير في وسط اسيا خصوصا بعد النكسات الكبرى التي تعرضت لها امريكا في العراق وكردستان وفي الخليج العربي والمعبر عنها بالازمة الخليجية.
فالمنطقة العربية على رأسها الخليج العربي وسوريا تعد بوابة اساسية لبلوغ النفوذ الروسي والصيني الى اقليم البحر الاحمر والمتوسط وافريقيا الغربية، وامريكا تبحث وعلى نحو مستعجل وغير مدروس عن ناتو عربي صهيوني يعوضها عن خسارة الحليف التركي والباكستاني لتدعيم دفاعاتها على نحو مستعجل ومرتبك في المنطقة، مستنزفة رصيدها الاستراتيجي في المنطقة، ومهددة استراتيجيتها التي اعتمدتها للتعاطي مع الصراع العربي الصهيوني طوال الاربعين عاما الماضية بالتفكك والانهيار.
فانهيار استراتيجتها في وسط وجنوب شرق أسيا بات مصدرا للأرق الامريكي في ظل التهديدات الروسية والصينية المتصاعدة التي تقضم مناطق نفوذها في العالم شيئا فشيئا، وتتمدد ببطء نحو غرب أسيا والقارة الافريقية، مخلقا مزيداً من الضغوط على الاستراتيجية والنفوذ الامريكي غرب أسيا والمنطقة العربية.
ناتو عربي صهيوني يحاول بنس الترويج له على حساب الشعب الفلسطيني وحقوقه؛ ما يجعل منه مجرد سراب يصطدم بالحقائق المتشكلة على الارض والراسخة والممثلة بملف اللاجئين والقدس؛ فالسرعة التي تتحرك فيها امريكا تزيدها ارتباكا وفوضوية يعكسها الاداء الميداني في سوريا وتصريحات القادة السياسيين والعسكريين الامريكان.
فتصريحات وزير الدفاع الامريكي ماتيس كشفت عن حجم المأزق الذي تواجهه الفيدرالية الامريكية؛ إذ اعتبر ان العدو الاساسي لواشنطن الصين وورسيا وليس الارهاب؛ فأمريكا تخوض حروباً بالوكالة وصراعات بدأت تتضح معالمها بشكل كبير خلال الاسابيع القليلة الماضية؛ فلا الارهاب ولا ايران على رأس قائمة المخاطر التي تتهدد الفيدرالية الامريكية التي تعاني من ازمات داخلية تقابلها تهديدات متعاظمة لنفوذها في العالم.
تجد هذه الحقيقة انعكاسا واضحا لها في المعلومات التي تم الكشف عنها مؤخرا حول امكانية تورط واشنطن بالهجمات التي شنتها مجموعات مسلحة على القوات الروسية في قاعدة حميمين، مستعينة بدولة عربية وقوى متطرفة بحسب مزاعم تناقلتها مراكز بحوث ووسائل اعلام روسية وعربية؛ هجمات يعتقد انها تترافق مع ما تم الكشف عنه مؤخرا بتعرض القوات الامريكية والحليفة لها في الجيش الافغاني لهجمات متقنة وحرفية على يد «الكتيبة الحمراء» التابعة لحركة طالبان.
إذ كشفت مصادر امريكية واخرى اعلامية عن كتيبة عالية التدريب تملك تقنيات واسلحة متطورة غير متوفرة في السوق السوداء، تتضمن نظارات للرؤية الليلية واسلحة متطورة اغلبها روسية الصنع، وبعضها بحسب المصادر الاعلامية ايرانية الصنع، وذهبت المصادر نفسها الى القول بأن هذه القوات تم تدريبها في باكستان اي ان هناك دولتين اقليميتين ووقوة دولية تتعاون لتصفية النفوذ الامريكي في افغانستان لترفع هذه التسريبات حدة التوتر بين اسلام اباد وواشنطن، وتدفع اسلام اباد الى اغلاق اذاعة «ماشال» الامريكية التي تبث في المناطق الغربية الشمالية من باكستان بالقرب من الحدود الافغانية.
اذا اضفنا لهذا التطور الجهود الصينية لمد مشاريعها العملاقة الى افغانستان واستضافة وزير الخارجية الافغاني والباكستاني ثم استضافة رئيس الدولة الافغاني في بكين «اشرف غني» الذي بدا مستسلما اكثر من اي وقت مضى لمصير نظامه واكثر رغبة في التعاون مع القوى الطامحة والصاعدة في النظام الدولي والاقليمي؛ فالرئيس الافغاني حذر من انهيار حكومة بلاده وجيشه في ستة اشهر في حال تراجعت القوات الامريكية؛ امر دفع الولايات المتحدة الى الاستنجاد بالهند؛ اذ اعلن وزير دفاعها بأن القوات الهندية قادرة على اجتياح باكستان بالقوة التقليدية ودون الحاجة الى اشعال حرب نووية، في حين رد وزير الخارجية الباكستاني بالقول: على دلهي ان لا تختبر ارادة باكستان الصلبة لاستخدام الاسلحة النووية لإيقاف اي هجوم هندي.
الهجمات على مطار حميمين حملت بصمات امريكية فيما يشبه محاولة لتأسيس كتيبة زرقاء لمضايقة النفوذ الروسي في سوريا، ردا على هجمات الكتيبة الحمراء في افغانستان، ناقلا الصراع في وسط أسيا الى غربها، عاكسة التسرع وحجم التخبط في الاستراتيجية الامريكية؛ فحالة التخبط والهلع الامريكي لم تتوقف عند حدود التورط المزعوم في هجمات على قاعدة حميمين اذ ظهرت محاولاتها لإنشاء مليشيا حدودية مكونة من الاكراد الانفصاليين التابعين لتنظيم بي كاكا الارهابي مستفزة بذلك تركيا حليفها في الناتو، مقدمة بذلك دليلاً آخر على محاولات الفيدرالية الامريكية تدعيم نفوذها ودفاعاتها في المنطقة العربية والخليج؛ فالتراجع والتهاوي الاستراتيجي الذي تعاني منه سياساتها في وسط أسيا يهدد بشكل لا لبس فيه بوضع الصين وروسيا على بوابة الخليج العربي والمحيط الهندي متجاوزة بذلك مضيق ملقة الرابط بين جنوب شرق أسيا والعالم العربي وافريقيا، ودافعا الولايات المتحدة الى مزيد من التهور والتسرع في رسم معالم استراتيجيتها المقبلة عبر تكتيكات فوضوية تزيد الامور سوءًا واضطرابا.
زيارة بنس وضمن هذا السياق تأتي ضمن محاولة متواصلة ولحوحة ومتهورة  للفيدرالية الامريكية لاستدراك حال التهاوي الاستراتيجي الذي تعاني منه؛ لتشكيل استراتيجية متماسكة بالاستعانة بالكيان الاسرائيلي، وانشاء ناتو وتحالف يضم دولاً عربية الى جانب الكيان لتدعيم الدفاعات الامريكية وصياغة استراتيجية مواجهة في المنطقة، لا لمواجهة ايران بل ضد الصين وروسيا على خلاف ما يعتقد بعض العرب المساكين امر اكدته تصريحات ماتيس.
زاد الامور سوءاً والحاحا لواشنطن تهاوي دفاعات امريكا في المنطقة بعد خسارتها لإقليم كردستان العراق، مضعفا نفوذها داخل الدولة العراقية، المترافق مع تراجع في علاقاتها مع تركيا وتشرذم حلفائها في الخليج العربي، وتصارعهم وتضارب اجندتهم مع الاجندة الامريكية التي تورطت في صراعات حلفائها ونزاعاتهم قادها ترمب وطاقم ادارته عديم الخبرة والرؤية، والتي كان آخر مظهر لها تصريحات ترمب العنصرية تجاه الافارقة، دافعا نيكي هيلي الى التعبير عن اسفها لممثلي الدول الافريقية في الامم المتحدة في محاولة لوقف نزيف التدهور والتخبط في الاستراتيجية الامريكية في افريقيا، وخصوصا منطقتها الغربية؛ فأمريكا لم تقدم لإفريقيا سوى القواعد العسكرية والشركات متعددة الجنسيات الانتهازية والتصريحات الترمبية المزعجة، في حين قدمت الصين الطاقة النظيفة والطرق البرية والسكك الحديدة والاقمار الصناعية التي بلغ تعدادها خمسة اقمار لتطوير شبكة الاتصالات والمعلوماتية في إفريقيا.
في ظل الاندفاعة الصينية الروسية والتعاون الباكستاني التركي الايراني، باتت امريكا في المنطقة بدون حلفاء يعول عليهم وتثق بهم لبناء استراتيجية متماسكة؛ فاستراتيجية امريكا هشة وتستند الى مقولات بالية وغير مقبولة لدى شعوب المنطقة استراتيجة مثقلة بعداء مستحكم لأمريكا ودعمها الكيان الصهيوني؛ فتحالفها المتوهم بين العرب والصهاينة اشبه بالسراب يراد له ان يتم على حساب الشعب الفلسطيني ومقدسات العرب والمسلمين؛ ما يجعل من هذه الاستراتيجية تحمل بذور فشلها وانهيارها وفنائها؛ اذ تترافق مع تصاعد المقاومة الفلسطينية للمشاريع الامريكية في المنطقة، منبئة بإمكانية توسع الاشتباك وحالة الاستنزاف التي تعانيها الولايات المتحدة في المنطقة والعالم.
زيارة بنس لن تحقق الكثير للفيدرالية الامريكية ولن توقف عجلة التاريخ بل ستزيد الولايات المتحدة تخبطا وتزيد استراتيجيتها فوضوية؛ محاولات امريكا للاستبدال بالتحالف الدولي لمكافحة الارهاب ناتو عربياً صهيونياً، والاستعانة بقوى ارهابية كتنظيم بي كاكا الى جانب قوى متطرفة ظهرت ارهاصاتها بالاتفاق الذي تم التوصل اليه بين القوى المتطرفة ووحدات حماية الشعب الكردي في الرقة تنبئ بحجم الفوضى الاستراتيجية التي تعاني منها امريكا، مطلقة جرس انذار لكل من يعول على الادارة الامريكية او استراتيجيتها الفوضوية التي من الممكن ان تقود المنطقة الى فوضى امنية وسياسية.
فالتسريبات لا تتوقف عن تعاون امريكي مع قوى متطرفة في سوريا آخرها  الاعلان الاستفزازي والمتهور عن تأسيس قوى حدودية انفصالية بالاستعانة بالانفصاليين الاكراد؛ فالمؤشرات كلها تشير الى تخبط في الاستراتيجية الامريكية وفوضى نتيجة خسارة حلفائها وتضعضع مناطق نفوذها، فوضى اشبه ما تكون بالهلع الامريكي الذي قاد نحو فوضى اكبر في الملف الفلسطيني.
زيارة بنس محاولة امريكية جديدة لترتيب تحالفات لن يكتب لها ان ترى النور وتستند الى حالة من الهلع والفوضى في الاستراتيجية الامريكية؛ امر جدير بأن يدفع الدول العربية الى اعادة النظر في علاقاتها مع واشنطن، والبحث بشكل جدي عن سبل أمنه للانفتاح على القوى الدولية والاقليمية بما يضمن حماية مصالحها؛ فالتخبط الامريكي سيقود حتماً الى فوضى وتخبط الدول المتحالفة والمتعاونة مع امريكا؛ فأمريكا تلعب لعبة خطرة تجمع فيها بين حلفائها العرب والكيان وكيانات ارهابية تزيد من هشاشة الاقليم وقابليته للتفكك والانهيار.
السبيل 2018-01-21 
 
 
 

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات