رعاية امريكية متصلة للخداع والتضليل..!

خلال النصف الاول من القرن الماضي تعهدت بريطانيا المشروع الصهيوني وتمرير مراحله باسم الغرب ونيابة عنه ، وكانت امريكا حاضرة في رعاية الصهاينة وكالة واصالة وعبر التضامن الغربي في التآمر والتضليل والخداع خاصة في المرحلة التي تلت حرب 1967 حيث قادت امريكا اصدار القرار 242 وتسويقه بزعم التوصل الى سلام في المنطقة وقد تواصلت سياسات امريكا هذه منذ العام 1943 حين بعث الرئيس الأمريكي روزفلت برسالة إلى الملك عبدالعزيز آل سعود حول الصراع بين العرب واليهود قال له فيها: ان امريكا لن تتخذ أي موقف من الخلاف بين العرب واليهود الا بالتفاهم مع كل من الطرفين ، وضمن الوقائع التي أفضت الى قيام الكيان الصهيوني في15 ايار 1948 وما تلاها كانت امريكا تتفاهم مع اليهود بما يحقق طموحاتهم ، وتتفاهم مع العرب عبر وعود ومسكنات ، وكانت هنالك في البدايات مراعاة للنظام الرسمي العربي المصطف مع امريكا في مرحلة الحرب الباردة خشية ان يخلق الانحياز الامريكي ردود فعل تدفع العرب للاصطفاف مع المعسكر الاخر بقيادة الاتحاد السوفيتي.
وكما هو معروف فان امريكا اندفعت مع اسرائيل لتنفيذ المشروع الصهيوني بعد سقوط المعسكر الاشتراكي ، وأصبح الانحياز علناً وسافراً ، وها هو الرئيس الامريكي جوج بوش يقف في15 ايار على رأس الاحتفال بقيام الكيان الصهيوني ، ويحشد معه زعامات الغرب المرتبطة بأمريكا والمؤمنة بحربها الوقائية الشاملة التي جعلت في مقدمة أهدافها تصفية القضية الفلسطينية.
ما اردنا الاشارة إليه هو انه حتى في ظل الصراع بين المعسكرين والمداراة الظاهرية الدعائية الخادعة للعرب كانت امريكا تعمل بكل الوسائل لتدعيم الحلم الصهيوني وتجسيده نهائياً على كل ارض فلسطين وصولا الى اعلان الرئيس بوش عن ايمانه بالدولة اليهودية.. الخ.
وليس خافياً على العرب اليوم ان امريكا نجحت في اخراج مصر من معادلة الصراع العربي الاسرائيلي عبر كامب ديفيد 1978 ، واحتلت العراق لتخرجه من المعادلة وفجرت الجزائر والسودان وأنهت الصومال ، وأضعفت كل الكيانات الوطنية القائمة خدمة لاسرائيل حيث شنت أمريكا حربها الوقائية على المنطقة بحسابات صهيونية.
وصحيح ان ما يحدث اليوم هو ذروة التنكر الأمريكي للحقوق العربية والانحياز لاسرائيل لكن السياسات الامريكية والنوايا السيئة كانت قائمة دائماً حيث لم تتوقف الجهود والتحركات الامريكية ، ولم تنقطع المشاريع والخطط والمبادرات الامريكية لتلفيق حل للقضية الفلسطينية وفقاً لمعطيات الاستراتيجية الصهيونية ،
وعلى مدى40 عاما وجهاد الادارات الامريكية المتعاقبة متواصل لتحقيق الحلم الصهيوني بأي ثمن حتى لو كان على حساب المصالح الامريكية في المنطقة.
ومنذ مبادرة او خطة روجرز في عام1968 الى مبادرة وخطة بوش الابن لحل الدولتين التي ورثها اوباما واعلن التزامه بها كان الهدف واحداً وان اختلفت الظروف والطروحات والمفردات ، وحتى عندما كان الكلام موجهاً للاردن بشأن تطبيق القرار242 من العام1967 وحتى العام1974 كانت كل الجهود الامريكية وفق الارادة الاسرائيلية تنكر عودة الاراضي الفلسطينية التي كانت في عهدة الاردن التي احتلت في العام1967 وتتحايل على تطبيق قرار مجلس الأمن رقم242 وقرارات الشرعية الدولية الاخرى ، واكثر من ذلك جاء القرار338 بعد حرب أكتوبر ـ تشرين عام1973 ليلبي المطلب الامريكي والاسرائيلي بالتوصل الى حل من خلال التفاوض المباشر ، واكثر من ذلك اقرت منظمة التحرير الفلسطينية في العام1973 ما سمي البرنامج المرحلي والداعي الى اقامة دولة فلسطينية في حدود الاراضي الفلسطينية المحتلة في العام ,1967
قبل20 عاما تقريبا كان هنالك تحرك امريكي مسرحي في سياق التقليل المستمر حثيث ودؤوب من خلال ما سمي مبادرة وخطة شولتز وجولاته المتصلة الطويلة في المنطقة آنذاك ويومها ، وآنذاك دعينا وكنا ستة صحفيين للقاء وزير الخارجية الامريكية جورج شولتز حينها في صالون مطار ماركا العسكري ليشرح لنا الوزير خطته ويستمع الى استفساراتنا واستيائنا ، وقد تحدث شولتز طويلا وربما كان ما قاله متطابقا مع ما تطرحه اليوم السيدة رايس وما طرحه الرئيس بوش في زيارته لفلسطين والمنطقة ، واستمع الوزير الامريكي بسعة صدر لكل الاسئلة المبطنة جميعاً بالشكوك حول جدية واخلاص النوايا الامريكية.. وقد سألت الوزير الامريكي يومها: لماذا لا تتخذ امريكا موقفاً جدياً وصادقاً وعملياً يحقق الحل العادل والشامل؟ سألني الوزير: كيف؟ فقلت له ان الادارة الامريكية في عهد الرئيس ايزنهاور في العام1956 اتخذت موقفاً بالطلب من اسرائيل انهاء احتلالها لسيناء وغزة ، وصدعت اسرائيل ، رغم ان تأثير امريكا حينها على اسرائيل كان اقل من تأثيرها اليوم.. وقد رد علي الوزير بالقول ان هذا ليس سؤالا وانما هو تقرير واقعة..
في رأينا المتواضع ان كل ما جرى عبر40 عاماً ويجري اليوم هو: دق الماء في الاناء ، ما دام الشعب الفلسطيني لا يقبل بأقل من 22% من وطنه ممثلا في حدود 4 حزيران ولا يقبل اقل من حقه في تقرير مصيره واستقلاله التام وحريته الكاملة في اطار دولته الحرة ، وما يجري لن يترتب عليه الا المزيد من الآلام وعدم الاستقرار ما دامت اسرائيل وامريكا لا تقران بحقوق الشعب الفلسطيني في حدها الادنى وتنكران على الشعب الفلسطيني تضحيته في سبيل السلام بقبول التنازل عن 78% من ارضه المغتصبة في العام 1948 ، وبالتأكيد فان الشعب الفلسطيني سيستجيب لأية مبادرة او خطة تزيل الظلم عنه ويرفض اية مبادرة تكرس هذا الظلم. (الدستور)