عن الاستفتاء وجلد النساء ومستقبل السودان

تم نشره الجمعة 17 كانون الأوّل / ديسمبر 2010 09:56 صباحاً
عن الاستفتاء وجلد النساء ومستقبل السودان
عريب الرنتاوي

ما شهدناه على شاشات التلفزة والمواقع الالكترونية من عمليات جلد للنساء في السودان ، أمرّ مثيرّ للقشعريرة ، وينطوي على امتهان لإنسانية المرأة والإنسان عموماً ، وأحسب أن مشاهد من هذا النوع ، كفيلة بدفع مئات ألوف الجنوبيين ، وبالأخص الجنوبيات ، للتصويت بنعم للانفصال ، فمن يريد أن يبقى تحت حكم الكرباج والجلد في الشوارع ، على مرأى ومسمع من الناس جميعاً ، هذه ليست شريعة ، وهي ليست من الإسلام في شيء.

وليسمح لنا أصدقاؤنا الكثر في الخرطوم ، فالصمت لم يعد ممكنا بعد أن بثت الفضائيات أشرطة مذّلة لـ"حفلات تعذيب النساء" بتهم تافهة من نوع "ارتداء بنطال"... وأضم صوتي لصوت مئات ألوف ، إن لم أقل ملايين السودانيين والسودانيات المطالبين بوقف العمل بهذه القوانين الجائرة والمتخلفة ، ومراعاة حقوق الإنسان ، وأصدقكم القول ، أن صوت النساء وهن يصرخن بأعلى أصواتهن بفعل لسع السياط والكرابيج ، وتناوب رجال الشرطة على الضرب والجلد ، أمر لم أحتمل مشاهدته ، وأجزم بأن العالم بأسره سيشعر بالاشمئزاز إن رأى مشاهد "طالبانية" من هذا النوع.

إن كانت هذه هي أحكام الشريعة ، فنحن لا نريدها ، هكذا ببساطة ، وليكن ما يكون.. لكنني على ثقة بأن الدول التي لا تمارس طقوس الضرب والجلد في العراء ، وعلى مرأى ومسمع من العامة ، بمن في ذلك ذوو الضحية وأطفالها وأقاربها وجيرانها وزملاؤها وزميلاتها في العمل ، ليست دولا مارقة ، والمسلمون الذين يستنكرون طقوس "الحرملك والاستعباد والعبودية" هذه ، ليسوا خارجين عن الملة... إنني على ثقة بأن إسلامهم ليس أفضل من إسلامنا ، بل وأجزم وأنا غير المخوّل والمؤهل للإفتاء ، بأن إسلامنا أكثر التزاماً من إسلامهم ، ببساطة لأنه أكثر مدنية وتحضراً ورأفة وتسامحاً.

مشهد كالذي شهدناه أمس على إحدى الفضائيات ، كفيل وحده ، وفي غضون دقيقة أو دقيقتين فقط ، أن يبدد جهود سنوات وعقود من العمل لترويج خيار الوحدة والحفاظ على تماسك البلاد والعباد.... ثم يأتيك بعد ذلك من يحمل على أهل الجنوب ، وميلهم الجارف لاختيار الانفصال على الوحدة ، بل ويأتيك من يقول لك ، بأن التطبيقات المتسامحة للشريعة ، راعت التعدد والتنوع الثقافي في بلد الثقافات والاثنيات المتنوعة ، إنه أمر مؤسف حقاً ، ونناشد المسؤولين السودانيين ، التدخل من دون إبطاء لوقف العمل بهذه الطقوس العائدة لما قبل الحضارة والتاريخ ، فالكرباج ليس وسيلة تربوية ، والإسلام لا ينتشر بالسياط ، والكلمة والموعظة الحسنة ، لن يبقى لها مفعول ، أمام هول ما شاهدنا ونشاهد.

نناشد المشرعين السودانيين التنادي على عجل لتعديل هذه القوانين ، والاستجابة لصوت الحركة النسائية السودانية المطالب بذلك ، بدل الزج بعشرات المحتشدين ضد ظاهرة جلد النساء في السجون والزنازين ، نناشد السلطات الكف عن هذه المهازل والتفرغ لجبه ما يعترض السودان من تحديات جسام ، ليس مستقبل الجنوب سوى واحد منها ، فإن استمر الحال على هذا المنوال ، راح السودان وضاعت وحدة أهله وترابه.

نعجب لأمر بعض الحركات والنظم الدينية ، كيف تفقد البوصلة بسهولة ، وكيف تجلب على نفسها غضب العالم دون مبرر ، وكيف تختار أسوأ التوقيتات للإتيان بممارسات كفيلة بتبديد عطف العالم وتضامنه ، بل وانتقاله إلى جبهة الأعداء والخصوم... من معركة الحجاب والجلباب في غزة المحاصرة والمجوّعة ، ... إلى معركة وحدة السودان وانقسامه ، التي يحتدم أوارها على وقع الاستفتاء الذي يقترب ، فيما الكرابيج تنهال على نساء بتهمة ارتداء "البنطال" أو خدش "الحياء العام".

ليذهب إلى الجحيم هذا "الحياء العام" إن كان "بنطال إمرأة" سيخدشه ، وليعلم مروّجو هذه الثقافة البدائية ، أن ما يخدش الحياء والذوق والأخلاق والقيم ، العامة والخاصة ، هو منظر الجنود وهم ينهالون بالكرابيج على إمرأة مستضعفة ، ملقاة في الساحات العام ، تصرخ وتئن ، من دون مغيث... هذا هو الاستخفاف بالحياء العام ، ومن يقومون بهذه الممارسات هم الأولى بالجلد والسجن. (الدستور)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات