فُسْتان بحجم أُمّة!

أحيانا.. وما اكثر هذه الاحيان في حياتنا العربية يحسد الاعمى على نعيم عماه.. ويغبط الاسم على نجاته مما نسمع ، بحيث نتذكر ما قاله الشاعر تميم بن مقبل وهو ما أطيب العيش لو ان الفتى حجر.. أو ما ردده عبدالله بن محمد.. وهو يا قوم لو ترون ما ارى وتسمعون ما اسمع.. آه كم وددت لو اني شجرة فتقطع ، أو ما دونه ابن الاثير بمداد من دمع وهو ليت أمي لم تلدني لأرى هذا اليوم.. اما اليوم فهو ذلك السقوط العربي في بغداد قبل اكثر من سبعة قرون والذي تلاه سقوط آخر قبل اكثر من سبعة أعوام،
نرى في بعض شوارع العرب عجوزا تنتعل حذاء بيديها لا بالقدمين كي تستطيع مواصلة الزحف على الرصيف ، ونرى آلاف الاطفال يقفزون كالفئران المذعورة بين السيارات وهم يحملون باقات ورد ذابل وحزين ، او يبيعون المناديل الورقية واللبان واحيانا أنفسهم، ونقرأ عن جرائم من طراز جديد لم تعرفه هذه المجتمعات من قبل رغم السنوات العجاف وحالات الكفاف التي عاشتها.. فالشقيق لم يعد يسلم من سكين توأمه.. والزوج لا ينجو من خنجر امرأة تقطعه وتحشو لحمه النازف في كيس قمامة ، ونرى الذكي الموهوب يهان والغبي الاخرق يرفل في نعيم جهله ويزهو بحماقاته ، والقاعدة العربية التي صيغت هذه المرة من القصدير المغمور بالصدأ وليس من الذهب هي باختصار الانسان المناسب في المكان غير المناسب ، وثمة من يفسرون كلمة مناسب بأنها المُصاهر،
لقد اتسعت الفجوة بين المتخم والمعدم بحيث أصبح الوطن العربي مهددا بفقدان الاستقرار النسبي الذي يضبط الحد الأدنى من توازنه وما قاله الاجداد عن بلوغ السيل الزبى تغير لأن السيل فاض وتجاوز الزبى كلها.. والحكمة التي ورثناها وهي من جد وجد اصبحت الآن وفق الحياة المقلوبة من هد وجد.. وتطول الحكاية اذا اسلمنا امرنا للاستطراد والبوح ، فالشجن عميق ويبعث شجونا عديدة..
آخر ما قرأنا في مجلات صقلية وملونة لكنها باردة كالجليد وغريبة عنا لانها تحذفنا كبشر وواقع ومكابدات من همومها الملونة هو ان سيدة عربية اشترت فستانا بمليون دولار.. لكن هذا الطراز من المجلات لا يهمه خيال القارىء ، لهذا لم تقدم لنا جدولا بما يساويه هذا المليون من ليرات سورية ولبنانية ودنانير اردنية او جزائرية وريالات سعودية او قطرية وجنيهات مصرية او سودانية لأنها لو فعلت ذلك سوف تثير غضبا لا يثيره رقم المليون دولار لدى شعوب يصل متوسط دخلها في اليوم الى اقل من دولار أو نصف دولار..
لماذا لا يتستر هؤلاء الذين يُبتلون ، كي لا يضاعفوا من عذابات الناس واحباطاتهم ، فالحديث عن الملايين اصبح كالحديث عن الملاليم بأرقام لا يملك تسعون بالمائة من العرب حواسيب قادرة على احصائها ، ولو اعطي أحد الفقراء العرب بربع مليون دولار لبقي عاما كاملا وهو يعدها ويعيد العد لفرط ما ترتعش اصابعه ويخطىء في العد،
نعرف ان الحلم بالمساواة والعدل اصبح غير قابل للترجمة من سواد الليل الى وضح النهار ، لكن الحد الادنى الذي نطالب به من الروادع الاخلاقية هو التستر ، وعدم استعراض هذه السادية الاقتصادية ، ولا ادري لماذا لا يتقي هؤلاء البطرون الله في اخفاء السفه ، على الاقل حماية لاموالهم من الحسد؟
قبل اربعين عاما تداول المثقفون العرب نكتة سوداء عن كاتب ألف مجموعة قصصية كانت كلمة العري في مطلع عنوانها وحين قدمها هدية لاحدهم ، قال له انه يتمنى ان يكسو بطلة قصته العارية ، فأعطاه السيد مبلغا من المال ، لم يعجبه واعاده اليه قائلا انه لا يكفي لان يكسو يديها.. بعد اربعين عاما تطورت النكتة. واصبح هناك فستان بحجم أمة،، (الدستور)