"سوسن الفاخري" أول أردنية مختصة بالآثار الغارقة في الأردن
المدينة نيوز:- "كل موسم نجد قطعا أثرية قادمة من دول العالم ما ولّد الشغف عندي لمعرفة من أين أتت وكيف"، بهذه الكلمات أجابت سوسن الفاخري عن سبب اختيارها الغوص في مياه البحر الأحمر لتكتشف ارثا يؤرخ للجنوب الاردني.
الفاخري، المديرة السابقة لآثار العقبة، تعد أول خبيرة أردنية متخصصة في الآثار الغارقة تحت الماء، تقول لوكالة الانباء الاردنية، إن هذا الشغف بدأ في آيلة منذ عام 1991 خلال الحفريات الاثرية في موقع آيلة برئاسة الدكتور دونالد ويتكمب، حيث "حفرنا مواسم عديدة بحكم عملي كمديرة لآثار العقبة".
وأضافت أنه وفي كل موسم وعند دراسة القطع الاثرية "نجد العديد منها قادمة من مناطق مختلفة قادمة من مصر والمغرب واليمن واثيوبيا والصين وقد وصلت عن طريق البحر، وهذا ما أثار الكثير من التساؤلات عن كيفية وصول هذه التجارة الى آيلة؟ وأين كانت تُخزّن؟ وأين ميناء المدينة، الذي جاءت على ذكره كثير من المصادر التاريخية والجغرافية؟ وبينت، أنه خلال الحفريات التي قامت بها في الجزء الغربي خارج المدينة، تم اكتشاف غرف ومخازن ومساجد تتجه الى البحر وهي ترجع الى الفترتين الاموية والعباسية، مما دفعها للاعتقاد ان الامويين خلال بناء آيلة استقروا في الجزء الغربي خارج المدينة.
اما في العصر العباسي، تضيف الفاخري، فقد نشطت التجارة، اذ لم تعد المدينة تتسع لهذه التجارة فانتقلت مناطق التخزين خارجها، وهذا ما ظهر بوضوح خلال الحفريات التي في الجزء الجنوبي من المدينة بين الساحل وآيلة، حيث أعيد بناء الأبراج الجنوبية من الشكل النصف دائري الى مربع، وتم تقسيمه الى غرف مقصورة بالطين، وعُثر خارج البرج على غرف استخدمت مخازن تنحرف باتجاه الجنوب الغربي من المدينة. وقالت ان سياق البحث جعلها تعتقد بانه لابد من علاقة بين هذه المباني والساحل، "لذا كان لابد من العمل في البحث ان آثار آيلة المغمورة بالمياه"، موضحة ان هذا الحماس البحثي دفعها للتدرب على الغوص ومن ثم التدرب على البحث في الاثار الغارقة في تركية - أنتاليا عن طريق اليونسكو، وبعد ذلك شاركت بالعديد من الاعمال في مواقع أثرية إقليمية غارقة ومع فرق مختلفة لاكتساب خبرة البحث عن الاثار الغارقة، وتوجهت الى البحث عن إرث العقبة البحري، وكان هذا المشروع اول مشروع يُدخل الاردن مجال البحث عن الاثار الغارقة.
ولفتت إلى أن الجمعية الملكية لحماية البيئة البحرية، أنهت المسح البحري لشاطئ مدينة آيلة الاسلامية من خلال وحدة الإرث البحري بين 8 أيلول حتى 25 أيلول من العام 2017 والتي تقوم بتنفيذ مشروع "استكشاف الارث البحري في العقبة" بدعم من مشروع استدامة الإرث الثقافي وبالشراكة مع المجتمعات المحلية SCHEP والممول من الوكالة الاميركية للتنمية الدولية USAID.
وبينت أن المشروع يهدف للبحث في امتدادات معمارية للمدينة الاثرية، والتحقق مما ورد في المصادر التاريخية، وكتب الرحالة من وجود ميناء للمدينة لعب دورا بارزا في التاريخ الاسلامي سياسيا واقتصاديا، كما ان العثور على اي مرافق اخرى ستثري المعلومات التاريخية عن آيلة الإسلامية، وتضيف معلومات جديدة عن التاريخ البحري في الاردن.
واضافت أنها قامت قبل البدء بالمشروع بدراسات معمقة حول الموقع لوضع فرضية واحتمالية مكان وجود ميناء آيلة، وشملت الدراسات السابقة الاطلاع على المصادر التاريخية التي تحدثت عن آيلة من قبل المؤرخين والجغرافيين والاطلاع على كل ما كتبه الرحالة الذين زاروا الموقع وقاموا بوصفه، وكل ما نشر على الانترنت من صور جوية للموقع وقراءة صور فضائية باستخدام برنامج Google Earth ورصد مؤشرات منها.
وبينت أنها قامت بجولات ميدانية بالقارب على الجزء البحري المقابل لشاطئ المدينة الاثرية لتحديد حدود واعماق منطقة المسح البحري وتحدد الاجسام الكبيرة في قاع البحر والتي تساعد في تحديد اولويات المسح البحري، وكان لابد من الاستعانة بالخبرة التقنية تحت الماء، وهي تستدعي خبرة في مجال تنزيل المجسّات والتعامل مع الاجهزة، لذلك تم الاستعانة بالخبير الاقليمي من مصر "اسلام سليم" مفتش اثار من إدارة الاثار الغارقة، وهو من الاشخاص المشهود لهم في العمل الاثري تحت الماء، وقد كان له دور كبير في انجاز مشروع اكتشاف الارث البحري في العقبة.
وأكدت الفاخري، أن اعمال المسح البحري لشاطئ مدينة آيلة الاسلامية، أسفرت عن الكشف عن ميناء بحري يعد أول عمارة بحرية غارقة يتم الكشف عنها في الاردن، ويرجع الميناء الى الفترة الاسلامية الاموية حتى نهاية الفترة الفاطمية بين 650 -1116 للميلاد، ويتألف من حاجز امواج حجري ويتصل بأرضية صلبة من الطين امتدت الى خارج الشاطئ يتخللها ممر محدد بجدارين حجرين بشكل مائل يصل بين الميناء وبوابة البحر للمدينة مارا بمخازن ودكاكين لنقل وتخزين البضائع القادمة والمغادرة للميناء.
وأشارت الى أنه يتوقع ان يحوي هذا الميناء على مرافق أخرى قد يتم الكشف عنها خلال اعمال حفر مستقبلية عن وجود فرن خاص لإنتاج فخار آيلة المستخدم في نقل البضائع، كذلك مناطق لصيانة وصناعة السفن، وصناعة الاشرعة، والمراسي وغيرها، وعثر خلال اعمال المسح على مراس حجرية مختلفة الاشكال والاحجام، ويرجح انها كانت تنتج في الموقع نفسه للعثور على كتل حجرية بأحجام وأشكال المراسي المكتشفة خلال مراحل التصنيع، ومن خلال الكسر الفخارية والحجرية والمعدنية يمكن التعرف على مدى نشاط ميناء آيلة الذي يربط بين الطريق التجاري البري الذي يأتي من الشام والحجاز ومصر والمغرب العربي، وبين الطريق الملاحي البحري الذي يصل الى الهند وشرق وجنوب اسيا وافريقيا.
وقالت الفاخري ان الموقع تعرض لزلازل تاريخية وهو ما يظهر من سقوط وتناثر الحجارة وهبوطها حول حاجز الامواج والميناء، كما تعرض الموقع لحريق خلال العصر الفاطمي ظهر واضحا في الموقع حيث طبقات الرماد والحريق على ارضية الميناء الطينية وحجارة حاجز الامواج. ويعد هذا المسح جزءا من منشآت بحرية عديدة، لم يكشف النقاب عنها بعد، والمسوحات والحفريات المستقبلية للموقع يمكن ان تعطي صورة عن النشاط التجاري لميناء آيلة ، ودراسة جديدة لعمارة الموانئ الاسلامية في الاردن