قرّر ياله!

تم نشره الخميس 22nd آذار / مارس 2018 01:00 صباحاً
قرّر ياله!
محمد أبو رمان

تكفي قراءة خاطفة وسريعة لحالة الارتباك الرسمية الحكومية في التعامل مع ردود الفعل على الحزمة التي اتخذتها الحكومة في إلغاء الإعفاءات الضريبية، وتراجعها عن العديد من القرارات، لندرك بوضوح أنّ هنالك غياباً كاملاً لأيّ استراتيجية حقيقية رسمية في هذا المجال، ولأي حوار وطني – في الحدّ الأدنى- بين الحكومة والقطاعات ذات العلاقة بالقرارات، وأخيراً فقدان أي قدر من الفلسفة السياسية الوطنية تقف وراء القرارات والسياسات الحكومية!
بعدما وصلت الحكومة إلى قناعة – قد تكون صحيحة في المجمل- بأنّ الإعفاءات الضريبية غير المدروسة، خلال الأعوام السابقة، كلّفت الخزينة مئات الملايين، من دون حساب دقيق للفوائد والكلفة، وبصورة عشوائية، قرّرت – أي الحكومة- إلغاء الإعفاءات بالجملة، أيضاً، وبجرّة قلم، من دون أن تدقّق وتفصّل في الأبعاد المالية أولاً، وفي الأبعاد الرمزية والاجتماعية والإنسانية ثانياً.
اضطرت الحكومة – لاحقاً- للتراجع عن قراراتها بخصوص ضريبة الكتب والقرطاسية (بعدما اكتُشف أنّ المبلغ المترتب على ذلك سخيف!)، وعن ضريبة المبيعات على الأدوية (لأنّها مرتبطة بأبعاد إنسانية واجتماعية كبيرة)، وضريبة دمغة الذهب، ولا أعرف أين وصلت المفاوضات مع المزارعين بخصوص المنتجات الزراعية، وضريبة الهايبرد (لأنّ التقارير الإعلامية فيها متضاربة)، وهنالك توجّه كما تفيد تقارير للتراجع عن "ضريبة الوزن" على السيارات بعدما تبين أنّ أضرارها أكبر من نفعها!
حالة الارتباك وعدم الاستقرار والمراهقة الرسمية في التعامل مع قرارات مصيرية مرتبطة بأعصاب الناس ومصالحهم لا تقف عند الضرائب، وما يمكن أن يحدثه ذلك من إرباك وارتباك، بل تصل إلى ما هو فوق ذلك إلى العلاقة مع صندوق النقد الدولي، التي كشف الزميل يوسف ضمرة في تقرير مهم له أمس، بأنّها تسير على حبل مشدود، وتتسم بالتوتر. 
ومن المعروف أنّ الصندوق رفض ما قامت به الحكومة بخصوص أسعار الخبز واعتبر ذلك تحايلاً على الموضوع الحقيقي وهو إعادة هيكلة ضريبة الدخل، وإلى الآن لا توجد دراسات رسمية تبين لنا ما هي التعديلات المقترحة فعلاً على الدخل، وما يمكن تحصيله من ذلك، والأبعاد الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المترتبة عليه!
المسألة تتجاوز فقط عدم الوضوح، أو الارتباك الرسمي إلى أزمة حقيقية في بنية القرارات الحكومية وفلسفتها والعمق المطلوب فيها، وهذا أخطر ما في الموضوع؛ بمعنى أنّنا نتحدث عن تغييرات مهمة في المعادلة الاقتصادية- السياسية وعن سياسات الاعتماد على الذات، ومنعرج مهم – وبتعبير أكثر دقة خطير- في تاريخ البلاد، ومع ذلك هنالك تخبّط في اتخاذ قرارات، من المفترض أن تكون محصلة تفكير عميق وحوارات وطنية وتنامي الوعي لدى أصحاب الشأن والمصالح فيما يخص السياسات الاقتصادية، وهذا كلّه يبدو مفقوداً فيما نلاحظه اليوم، وأتمنى أن أكون مخطئاً بهذه النتيجة والقناعة!
حالة الحكومة في اتخاذ القرارات وتراجعها تذكرني بالأغنية الشعبية الشهيرة، قاعد لوحدك، مع تعديل طفيف على كلماتها أتخيل أنّ هذا ما يحدث مع الوزراء: قاعد لوحدك، كده زهقان، قوم ياله، العب ياله، قرّر ياله"، ثم ندفع جميعاً ثمن هذا اللعب بالقرارات والسياسات!
من الضروري أن نبدأ عمليات الإصلاح المالي والاقتصادي، لكنّ ذلك ليس بحسابات لبعض الأشخاص واجتهادات تخلو من أي دراسة معمقة للأبعاد السياسية والاجتماعية، بل من المفترض ان تصدر من إطار عميق يمتلك الرؤية الدقيقة، والمبنية على حوارات ونقاشات واسعة، وتحضير للرأي العام، ووضوح فيما وراء السياسات والقرارات والنتائج المترتبة عليها!

الغد 2018-03-22



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات