مخاوف البنوك: ما خفي أعظم!

تعيش البنوك المحلية خلال الفترة الحالية قلقا ومخاوف تتزايد يوما بعد يوم، كلما شاع خبر عن توقف مشروع وتباطؤ آخر وتعثر شركة وإفلاس أخرى.
وعقب أنباء شركة موارد وتعثرها، عاود الحديث عن سقوط شركات أخرى نشاطه، وسط محاولات إدارات البنوك إخفاء قلقها حيال مصائر مئات ملايين الدنانير التي منحتها لبعض المشاريع التي تسري الأحاديث حول عجز أصحابها عن المضي في تنفيذها.
ويبدو أن البنوك التي أغرقت أمس في منح التسهيلات لشركات تطوير عقاري من العيار الثقيل، تجني اليوم نتائج تساهلها وعدم إصغائها للتحذيرات المتتالية التي وجهها بعض الخبراء لهم، لناحية عدم الإسراف في الثقة ببعض الشركات مهما كبر اسمها وزاد وزنها.
ومما لا شك فيه أن التهور الذي مارسته بعض المصارف في الماضي لناحية الاندفاع نحو شركات بعينها دونما حساب وتقييم دقيق لأوضاعها، بدأت تظهر نتائجه السلبية.
العام الحالي مضى على البعض بشق الأنفس، وذلك لا يعني أن البقاء في السوق سيكون مضمونا خلال العام المقبل، لاسيما وأن البنوك تعلمت درسا قاسيا دفعت ثمنه بتعثر تلك الشركات واستمرار مسلسل مشاكلها.
وما يضاعف الحالة سوءا، ظروف القطاع المصرفي والتي لا تبدو مريحة البتة، حيث تتوفر للبنوك كميات فائضة من السيولة لا تقدر على إقراضها لمبررات ومخاوف تكاثرت بعد التجربة السابقة، رغم أن تعليمات البنك المركزي تتيح إقراض 80 % من إجمالي الودائع المتوفرة لدى البنوك.
وتتعاظم المخاوف أكثر بتوارد الأخبار تباعا عن المشاكل التي تمر بها شركات تطوير عقاري، المعلنة والمخفي منها، ما يدفع البنوك للإصرار على موقفها من عملية منح القروض، إذ ترى أنها غير مستعدة لإنقاذ البعض ووضع نفسها في مواقف محرجة لا تدري متى تنفجر وتتأزم.
والمخفي أخطر مما هو معلوم، فبعض البنوك التي قطعت شوطا في الإقراض تجد اليوم نفسها مرعوبة من فكرة تعثر تسهيلاتها التي قدمتها في أوقات الذروة لشركات وأسماء لم تشك للحظة أنها عرضة لمشاكل مالية أيا كان نوعها.
وسط هذا المشهد الملبد بأنباء حول التعثر تتعقد حالة القطاع المصرفي وينعكس ذلك على قطاعات اقتصادية مختلفة تسعى للحصول على القروض من البنوك للسير في مشاريعها وأعمالها.
المدى القصير لا يحمل في ثناياه حلولا للمستثمرين والبنوك، اللذين نشأت بينهما علاقة ارتياب وتشكك فلا البنوك قادرة على الوثوق بالمستثمر ولا الأخير قادرا على إقناع المصارف بجدوى استمرار الشراكة بين الطرفين.
بين هذه المعطيات يتعاظم الدور المطلوب من البنك المركزي، بفرض مزيد من الرقابة على البنوك، للحؤول من دون وقوع أزمات تهز القطاع وصورة الاقتصاد في الخارج والداخل.
ما حصل قبل الأزمة المالية العالمية من إغداق في منح القروض لن يتكرر خوفا او حرصا، لكن بقاء وتيرة التسهيلات على حالها ينذر بعواقب وخيمة على القطاع ذاته وعلى الاقتصاد ككل، ما يوجب البحث عن قنوات اقراضية آمنة ومضمونة تكفل ضخ دماء في عروق الاقتصاد التي اقتربت من الجفاف. (الغد)