ملاحظات قبل الاقتراع على الثقة

في استعراض لكلمات السادة النواب حتى يوم امس يُلاحظ ان هناك فرقا بيّنا بين مضمون خطاب الكتل, الممثلة للاحزاب و غير الممثلة وبين مضمون خطاب النواب كافراد اعضاء في هذه الكتل او بوصفهم مستقلين.
بعض كلمات الكتل جاء من باب الدعاية لبرنامج الحزب الذي تمثله, وهو ما لا يتلاءم مع المناسبة, وهي طرح الثقة بالحكومة المطّلعة سلفا على برامج الاحزاب, فلم نسمع في هذه الكلمات ما يمكن ادراجه في باب (الرقابة والمساءلة) التي هي اساس وجوهر العمل النيابي, مثل توجيه اسئلة حول السياسات والقرارات الادارية والقوانين المؤقتة,, وطلب تقديم اجوبة تتعلق باداء حكومة الرفاعي الاولى, واخرى تتعلق بما ستفعله حكومته الثانية.
غير ان الامر يختلف تماما في كلمات عدد كبير من النواب التي تعبر عن اشخاصهم, المنتمين للكتل او المستقلين, اذ يلاحظ اداء افضل وخطاب اكثر جرأة واقترابا من المسؤولية الحقيقية للنائب. لقد تضمنت كلمات معظم هؤلاء طروحات عقلانية بمضامين سياسية واقتصادية تشكل رؤيتهم لمهمة النائب ودوره. ولو ان افكار النواب وآراءهم اخذت مكانها الصحيح في كلمات الكتل ربما كنا سنشهد اداء مختلفا في المجلس الجديد.
لست من انصار بقاء نظام الكوتا في قانون الانتخابات لكنني اسمح لنفسي بوقفة استثنائية, وهي الاشادة بالكوتا التي سمحت للنائب تمام الرياطي من اقصى نقطة في الجنوب (العقبة) بالوصول الى المجلس وتقديم خطاب نيابي مختلف يمكن ان يكون انموذجاً للنواب من الرجال قبل ان يكون لصف طويل من النواب النساء.
كما اشيد بكلمات نواب دوائر البادية الثلاث, الذين اظهروا انهم نواب وطن لا نواب (كوتات) لفئات اجتماعية عزيزة ترابط على حدود الصحراء في الشمال والوسط والجنوب.
لقد تناول نواب البادية في كلماتهم قضايا وهموم الوطن والمواطن بجرأة وصراحة وبرأي جاد شامل, بما يؤكد رقي وعي المواطن الاردني في البادية تماماً كما هو في المدن والريف.
لقد شعرت بان بارومتر الاحساس بقضايا الوطن وهموم الشعب يعلو منسوبه بين ممثلي المواطنين في المناطق البعيدة التي تعاني من نقص في اهتمامات الحكومات بها, وحيث تكون التنمية مجرد شعار لا يشاهدونها الا على الشاشات الفضية واوراق الصحف فأثبتوا بان"أهل مكة ادرى بشعابها".
الملاحظة الاخيرة, تعرفنا على مدى الايام الماضية على وجوه شابة جديدة في مجلس النواب قادمة من مختلف المحافظات, كما تعرفنا على خطابهم السياسي وآرائهم وافكارهم وهي في معظمها مستنيرة تعطي البرهان بعد الاخر بان الاردنيين شعب واع متعلم, وبأن اسباب تأخر التنمية السياسية في المملكة لا تعود الى عزوف الاردنيين عنها او عدم حماسهم للعمل السياسي او الزعم بانهم يحتاجون الى 10 او 20 سنة لكي يكتمل وعيهم ورشدهم الوطني.
فاسباب التأخر في التنمية السياسية هي غياب الارادة الرسمية لاحداث نقلة كبيرة في الاصلاح تتناسب ومطالب الاردنيين ومستوى وعيهم, اضافة الى اصرار الحكومات على تغييب القوانين الناظمة للحياة العامة بما يسمح لابناء المجتمع واجياله الشابة الانخراط في احزاب وتيارات تمثيلية ببرامج على مستوى الوطن والامة تشارك في اتخاذ القرارات وادارات الموارد وبناء المستقبل.
لقد سمعنا خطابات نيابية بمضامين سياسية واقتصادية من الدرجة الاولى. ودعونا نتخيل لو ان هؤلاء النواب جاءوا من خلال قوائم انتخابية لها قراراتها الموحدة وبرامجها المتنافسة, اذن لكانت الديمقراطية البرلمانية والحياة التعددية امرا واقعا وبأعلى مستويات الوعي الوطني, لكن لا احد يراهن على توقف عادة وضع العصي في دولاب التنمية السياسية في غياب إرادة الاصلاح?!. (العرب اليوم)