ياسر عرفات ... خبر ورسالة

تم نشره السبت 25 كانون الأوّل / ديسمبر 2010 01:41 صباحاً
ياسر عرفات ... خبر ورسالة
عريب الرنتاوي

صورتان للرئيس الراحل ياسر عرفات مرّتا أمام ناظريّ خلال يوم واحد: الأولى: رسمها سيلفيو بيرلسكوني ، رئيس وزراء إيطاليا ، وفيها أن "أبو عمار" كان مخلصاً لقضية السلام ، ويسعى فعلا في صنعه بين فلسطين وإسرائيل...والثانية ، رسمها "مقاوم" من لجان المقاومة الشعبية كتائب الناصر صلاح الدين لكاتب هذه السطور ، وفيها أن "أبو عمار" كان مخلصاً لقضية "المقاومة" ، وأنه هو شخصياً من حث على تشكيل اللجان وحرّض على الاشتباك مع الاحتلال ، بعد أن تأكد له أن "سلام مدريد - أوسلو - كامب ديفيد" لم يكن سوى خديعة كبرى ، وأن ليس في إسرائيل "شريك لصنع السلام" القائم على الاعتراف بحقوق شعب فلسطين.

حديث بيرلسكوني يجمع عليه معظم قادة العالم والزعماء العرب الذين عرفوا ياسر عرفات عن كثب ، والذين تابعوا مشوار قيادته للشعب الفلسطيني منذ الانطلاقة والميثاق ، مروراً بالبرنامج المرحلي والحوار مع "معسكر السلام الإسرائيلي" ، وانتهاء بمدريد وأوسلو وكامب ديفيد.

أما المعطيات التي أوردها "المقاوم" من اللجان الشعبية ، فليست لدي وسيلة للتحقق من جميع ما ورد فيها ، ولكنني أميل لتصديقها بمجملها ، ومما قال ، أن الرئيس أوعز لثلة من مقاومي فتح بعيد كامب ديفيد ، من بينهم المرحوم جمال أبو سمهدانه ، بالشروع في تنفيذ عمليات ضد الاحتلال ، من خلال فصائل جديدة يشكلونها بدعم منه ، ومن دون أن تكون له صلة ظاهرية معروفة بهذه المجموعات ، وهذا ما حصل على أية حال.

للوهلة الأولى ، تبدو الصورتان متناقضتين ، لكأن الراحل الكبير كان "شخصية مزدوجة" ، لكن الحقيقة أن ياسر عرفات كان مزيجاً من هذا وذاك ، وربما كان الأكثر إخلاصاً لشعاره الذي أطلقه من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة: البندقية في يد ، وغصن الزيتون في يد ، واحسب أن ما قال بيرلسكوني يعكس توجهاً حقيقياً اخلص له عرفات ، برغم كل الضجة التي أثيرت في وجهه بعد كامب ديفيد ، والتي انتهت باعتباره رجلاً ليس ذي صلة ، وصولاً لاغتياله ، أو استشهاده بالسم الإسرائيلي الزعاف.

كما أن "المقاوم" الذي اتصل بي في مسعى لإعادة الاعتبار أو تجديد لمؤسس لجان المقاومة الشعبية أبو سمهدانة ، كان وهو في معرض الحديث عن تأسيس اللجان ، يتحدث عن ياسر عرفات ، بأكثر مما تحدث عن المجموعة المؤسسة للجان ، وهم في غالبيتهم العظمى من رجالات فتح وعناصر أجهزتها الأمنية ، من غير الأجنحة والجماعات الفاسدة المعروفة.

كل التفاصيل التي أوردها صديقنا وغيره من المصادر ، تؤكد أن الانعطافة عند الرئيس الراحل بدأت بعيد كامب ديفيد مباشرة ، وتعززت إثر قيام أريئيل شارون بتدنيس المسجد الأقصى ، حتى أن أحد أبرز قيادات حماس ، الدكتور محمود الزهار ، سبق وأن اعترف شخصياً ، بأن الرئيس عرفات سبق وأن أوعز لحماس بتنفيذ عمليات ضد إسرائيل بعد أن تيقن من غياب الإرادة السياسية الإسرائيلية لصنع السلام والوفاء باستحقاقاته.

لم يكن عرفات رجل الخيار الوحيد الواحد الأوحد ، لم يكن من أنصار "وضع البيض كله في سلة واحدة" ، وهو بخلاف خصومه ومجادليه من الحركة الإسلامية ، لم يكن ممن "صنّموا" خيار المقاومة ، ووضعوه في تعارض مع العمل التفاوضي والسياسي والدبلوماسي ، عرفات كان مؤمناً قوياً بالحاجة للمزج بين مختلف الأوراق والخيارات والبدائل ، عرفات فاوض وقاوم في نفس اليوم والساعة واللحظة ، حمل البندقية وغصن الزيتون ، هذه بيد وتلك باليد الأخرى.

أخطأ عرفات في كثير من المحطات والمواقف والمواقع ، بيد أن التاريخ سيسجل للرجل ، بأنه حفظ الوحدة الوطنية ، ، وأنه زاوج بين مختلف أشكال النضال وجمع فيما بينها ، وأنه لم يتخذ من إسرائيل صديقاً وحليفاً حتى وعملية السلام في ذورة تقدمها ، فكانت رهاناته معقود دائما على أبناء شعبه ، بمن فيهم "خصومه" ، بل وحافظ على جسور الصلة مع هؤلاء ، حتى وهو يزج بهم في السجون ، السجون التي جعل لها "أبواباً" دوّارة لضمان الخروج منها قبل الدخول إليها.

عرفات كان مؤمنا بأن لكل فلسطيني ، بمن في ذلك حماس والجهاد ، دورا في معركة الحرية والاستقلال ، وأن هذا الدور قد لا يكون مطلوباً في كل وقت ، بيد أنه سيكون مطلوباً في يوم من الأيام .

درس عرفات ، يصلح للاستحضار والاستذكار للجميع ، فالرجل استشهد وفيه نفسّ من مقاومة ، والسلام لم يكن بالنسبة إليه هدفا بذاته ، بل وسيلة لاسترداد الحقوق ، وعندما اكتشف أن طريق السلام والتفاوض بات مسدوداً ، لم يتوان للحظة عن امتشاق السلاح وحث الآخرين على فعل ذلك ، وتحمل ما تحمل من أعباء الجمع بين هذه الخيارات ، وقد دفع حياته ثمناً لهذا الاختيار. (الدستور)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات