قطاريز ومطاريز !

تم نشره الأحد 26 كانون الأوّل / ديسمبر 2010 12:53 صباحاً
قطاريز ومطاريز !
خيري منصور

القطاريز كلمة لها صدى في ذاكرة القرويين من ابناء جيلنا والاجيال التي سبقتنا ، وهو يشبه الى حد بعيد الاقنان كما وصفهم السياب في ديوانه منزل الاقنان او الموجيك الروسي قبل ثورة اكتوبر ، فالقطروز يتقاضى اجرا محددا عن عمله طيلة عام كامل وهو سائس خيل وحصاد وعامل ، اما المطاريز فهم كما روى لي صديق من الخليج العربي اشبه بتلك الفئة من صقور الصيد الرخيصة التي تطلق وراء الفريسة كي تدوخها ثم يأتي دور الصقر الثمين وذي الخاتم الذهبي..

في خمسينيات القرن الماضي كنت من اوائل المنسلخين عن نمط التفكير الاجتماعي الذي يشمل الطبقة التي انتسب اليها ، وهي طبقة ملاكي الارض وكنا ننحاز رغم اننا لم نكن نتجاوز العاشرة للقطاريز ونتمنى ان يأتي يوم ينتفضون فيه على اهلنا ثم جاءت الرياح الايديولوجية محملة بافكار من هذا الطراز ورحبنا بها ، ولم يكن يخطر ببالنا ان القطروز او المطريز سوف يقلب ظهر المجن لذاكرته ولمن شجعوه على العصيان ليصبح اسوأ باضعاف من الذين كانوا يسيطرون على حياته ويمتلكونه كما يملكون الخيل والماعز.

واول ما فكر به القطروز عندما امسك بالمفاتيح هو تقليد سادته القدامى ومحاكاة سلوكهم ، وبدلا من تحقيق وعوده بتحرير الارض والناس رهن نفسه لمن يمهد له الطريق للبقاء في السلطة ، سواء كانت صغيرة في نطاق مجلس قروي او كبيرة في نطاق رئاسة جمهورية او شبه دولة،

لقد اصبح القطروز ثريا يبدد المال بسفاهة ولا مانع لديه ان يقتل كل خصومه اذا تطلب الامر ، ولكي يبرهن القطروز لنفسه وللناس على ان الزمان تغير لصالحه.. دفع اموالا طائلة ثمنا لبيت قديم يشبه الاطلال ، لمجرد ان مالك هذا البيت كان ذا جاه ونفوذ في زمن ما،

وما فعله القطروز كرره المطريز لكن بشكل مغاير ، فهو فعلا يؤدي وظيفة مدفوعة الاجر من اجل تدويخ الفريسة ولكن ليس على غرار الصقور الرخيصة ، بل من خلال الاستعداء والوشاية وبث الشائعات وبمرور الوقت نسي المطريز وظيفته.. وبدأ يحلم بالتحليق عاليا وبعيدا. ليأخذ دور الصقر ، تماما كما حلم الكومبارس في السينما ذات يوم بدور البطولة ، لكن امام زوجته وابنائه والمرايا وليس في الاستوديو وثمة مقهى في القاهرة اسمه مقهى بعرة - وكان رشدي اباظة من اطلق هذا الاسم عليه - يعج بالكومبارس والدوبليدات او البدائل وهناك من يتقاضى اجرا زهيدا مقابل ان يسقط عن سلم او درج بدلا من البطل لان مؤخرة رأسه واذنيه تشبه مؤخرة رأس واذني البطل.. وهذا هو كل رأس ماله...،

ولسنا نحن العرب اول او اخر من جرّب هذه الكوميديا السوداء ، وهناك مسرحية شهيرة لالبير كامو عمن يختطفون السلطة باسم العدالة والناس ثم يتحولون الى نماذج اسوأ واقسى من تلك التي انقلبوا عليها،

إن سبعين عاما على الأقل من تاريخنا العربي الحديث تحتاج إلى إعادة نظر ، وإعادة تقييم للبشر والتجارب التي أدخلتنا إلى هذه الحفلة التنكرية ...

ان ما يجب قوله بلا اية مواربة هو ان بيوت او حتى قصور من انقلب عليهم القطاريز والمطاريز اكثر تواضعا بكثير من بيوت الحواشي والتابعين لهؤلاء الذين جعلوا الناس في ايامنا يكفرون بكل الشعارات التي هتفوا لها،

كيف نصدق اننا دفعنا كل هذا الدم وكل هذا الخوف وكل هذا العذاب لكي يركب القطاريز والمطاريز على اكتافنا ويدلدلوا ارجلهم؟ (الدستور)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات