الاختباء وراء الإصبع

أثار تراجع معدلات البطالة خلال الربع الرابع من العام الحالي الكثير من التساؤلات حيال مسببات الانخفاض، لاسيما أن الشعور العام هو تزايد أعداد العاطلين عن العمل، وضعف فرص التوظيف.
وبالنظر إلى الأرقام نجد أن معدل الانخفاض بلغ
1.6 %، وهو تراجع ملحوظ اذا أغفلنا الأسس التي تقام عليها المسوحات الاقتصادية والتي تعلن عن متوسط خطأ نسبته 1.5 % زيادة أو نقصانا.
الحكومة تؤكد أن معدل البطالة في الربع الرابع من العام الحالي بلغ 11.9 % مقارنة مع 12.2 % في الربع الرابع من العام الماضي، وفقا للتقرير الربعي لدائرة الاحصاءات العامة حول معدلات البطالة في المملكة لعام 2010، واستنادا إلى مسح العمالة والبطالة.
وفق معيار هامش الخطأ نكتشف أن الحكومة تناور ضمن هذه المساحة، زيادة او نقصانا، ما يعني عدم وجود تغير جذري في معدلات البطالة بشكل حقيقي وعميق.
ورغم أن التشكيك بصحة الأرقام قائم ومن قبل أطراف مختلفة من المجتمع، إلا أنني سأسلم بدقتها، وأهنئ الحكومة بتراجع معدلات البطالة رغم انخفاض قيم الاستثمار الأجنبي المباشر ليبلغ حوالي 650 مليون دينار، هبوطا من 722 مليون دينار خلال النصف الاول من العام الحالي.
وسأعترف أن المعدل دقيق وأن الخطط الرسمية نجحت بتقليص معدلات البطالة وشغلت عددا جديدا من الأردنيين خلال العام الحالي، رغم قرار وقف التعيينات في الجهاز الرسمي المدني باستثناء وزارتي الصحة والتعليم.
وسأعلن أن البطالة انخفضت رغم أن المشغل الرئيس في الأردن والمتمثل بالقطاع العام قرر وقف التعيينات في مؤسساته ووزاراته خلال العام 2010.
وسأثني على جهود تقليص حجم هذه المشكلة، رغم أن المعلومات الصادرة من وزارة العمل، تؤكد أن عددا كبيرا من شركات القطاع الخاص لجأت لإعادة الهيكلة وسرحت عددا كبيرا من العاملين لأسباب ترتبط بشكل مباشر بالحالة العامة عقب الأزمة وسعيها لخفض النفقات.
ولن أشكك بالمعدل، رغم اطلاعي على سياسات الكثير من شركات القطاع الخاص والتي تبنت سياسة وقف التعيينات في 2010، ضمن نهج ضبط النفقات لزيادة قدرتها على المواجهة والصمود في وجه التحديات الكثيرة والكبيرة.
وبعد المباركة والتهنئة بانخفاض عدد العاطلين عن العمل، سأطالب الحكومة بإعلان معدلات العاطلين عن العمل ممن فقدوا الأمل في الحصول على وظيفة، وتوقفوا عن البحث؛ حيث تؤكد البيانات أن هذه النسبة التي تعد انعكاسا واقعيا لمستوى التعطل وسوق العمل في الاقتصاد أعلى بكثير من معدلات البطالة المعلنة رسميا والتي تقدمها لنا الحكومة كإنجاز.
بيانات البطالة التي تعلنها دائرة الاحصاءات بشكل ربعي يغيب عنها هذه النسبة، الأمر الذي يعد تشوها حقيقيا يخفي خلفه حقائق خطيرة، ويقدم صورة مغلوطة عن حجم هذه المشكلة، التي نعلم جميعا أنها تزايدت بشكل مطرد عقب الأزمة الاقتصادية، ونتيجة حالة التباطؤ الاقتصادي التي مر بها الاقتصاد خلال العام الحالي.
ما نزال نلعب لعبة الأرقام، ويبدو أن المسألة مغرية للمسؤولين الذين يغيب عن بالهم أن اخفاء الحجم الحقيقي لهذه المشكلات يولد مشكلات أخطر ليس آخرها العنف الاجتماعي.
فهل نعترف ونتخذ من سياسة المكاشفة مبدأ أساسيا للعمل وليس العكس. (الغد)