محاولة لفهم ما يجري في الجامعة الأردنية

ملثمون ينتشرون بعد الانتخابات، مشاجرات بناء على حسابات متناهية الصغر. ملثم يعتدي بالضرب على طالبة. الحافلة تهوِّر بتسارع نحو الهاوية بلا كوابح، النتائج أكدت التوقعات المتشائمة. وفي النهاية يتهم الإعلام بتضخيم الأحداث وتشويه الصرح الوطني الشامخ.
ليست قضية الطالبة دينا الناصر في كلية الزراعة فردية ولا معزولة. إنها جزء من السياق المأساوي، فالطالبة يتصل بها وتهدد لأنها ناصرت مرشح الاتجاه الإسلامي الذي حصل على الترتيب الأول في كلية الزراعة. وينفذ "ملثم " تهديده داخل الحرم الجامعي.
إنه الحصاد المر للحنظل الذي يزرع منذ عام 1993، فالجامعة الأردنية لم تكن يوما كذلك حتى في عز الأحكام العرفية. أغطي الانتخابات الطلابية منذ العام 1990 صحافيا وقبلها كنت طالبا مشاركا فيها. لم يحدث تسونامي مفاجئ ضرب البنيان، كان ثمة تدمير منهجي مخطط له يسعى إلى استئصال التيار الإسلامي ولا يكون ذلك إلا بتفتيت الكيان الطلابي من خلال الأنظمة الانتخابية المتخلفة والإجراءات القمعية بحق النشطاء الطلابيين. نجح المخطط إلى حد كبير، سواء في الجامعة الأردنية أو غيرها. وتاه الطلاب بين مضارب العشائر والتجمعات القروية والمناطقية والجغرافية وسط الانقسام الطلابي الكبير إقليميا. في كل انتخابات تبرز هويات فرعية ويتفرع منها هويات لا حصر لها.
يدافع عن الانهيار الأخلاقي بأن من يهاجمونه ضد عشائر بلدهم، وكأن المناداة بالهوية العربية الإسلامية الجامعة في إطار المواطنة تفترض أن الناس لقطاء. وما يجري لا علاقة له بكل القيم العشائرية. فهل الاعتداء بالضرب على فتاة يمثل قيمة عشائرية؟ قطعا لا. تحلل البنيان وتفسخ إلى المكونات الأولية. ببساطة البناء يحتاج إلى إسمنت وحديد يربط بين الحجارة. الهويات الفرعية حقيقة موجودة لكنها تتواصل في إطار الهوية الجامعة والمواطنة التي تشكل الإسمنت والحديد الذي يقوم عليه البنيان.
في الجامعة لا تجد الأردن الذي تشكل باعتباره "جزءا من الأمة العربية"، تجد أردن ما قبل الدولة. العالم تجاوز الدولة إلى شبكات وتحالفات وأطر عابرة لها، ونحن نرتكس إلى ما دونها. وفي الجامعة الأردنية يمكن فهم مأساة الوحدات والفيصلي. وكيف يمكن اللعب على غرائز الناس وتحويلهم إلى كائنات متوحشة لا علاقة لها بالإنسانية . للأسف تبخر التفاؤل بإدارة الجامعة الأردنية سريعا. وهي كالإدارات السابقة لا تبادر ولا تتخذ قرارات حاسمة. تنتظر هواتف ترشدها إلى سواء السبيل. هل يعقل أن يطلب رئيس الجامعة من الدكتور مصطفى الحمارنة الذي درس في جورج تاون وأسس مركز الدراسات الاستراتيجية أن يقدم طلبا للعودة إلى المركز ثم يتراجع في الوقت الذي تحتاج الجامعة إلى ملايين لابتعاث الطلبة إلى جورج تاون. أين هي استقلالية الجامعات؟ ( الغد)