ما وراء التصعيد الجديد بين دحلان والرئيس

من الواضح أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس قد قرر التصعيد في مواجهة متحديه عضو اللجنة المركزية محمد دحلان ، وهو ما يشير إلى بعدين اثنين: الأول أن حكاية الاستقالة التي طالما لوح بها لم تعد واردة ، بدليل تصريحاته الأخيرة الرافضة للفكرة ، ومعها حل السلطة خشية الفوضى برأيه ، أما البعد الثاني فيتمثل في قراره عدم التسامح مع أي طرف أو شخص يسعى إلى منازعته السلطات داخل فتح أو مؤسسات السلطة والمنظمة.
والحال أن ما فعله الرجل يبدو طبيعيا إلى حد كبير ، وكان على دحلان رغم الفوز الذي حققه في اللجنة المركزية أن يدرك أن عباس لم يعد عرفات المرحلة الحالية فحسب ، بل هو رجلها المتفرد أيضا ، إذ حتى عرفات لم يكن بمثل هذا المستوى من التفرد في يوم من الأيام ، حيث كان له أقرانه داخل الحركة من أمثال "أبو جهاد" و"أبو إياد" ، ومناكفوه داخل منظمة التحرير أيضا ، كما أن إخلاصه لعملية السلام وإصراره على مشروع (السلطة ـ الدولة) ونبذه الأيديولوجي للمقاومة المسلحة يجعله أقرب إلى قلوب المؤثرين في ملف القضية برمتها ، لا سيما الطرف الأمريكي الإسرائيلي الأوروبي ، فضلا عن المؤثرين في السياق العربي.
صحيح أن المزايا الأخيرة (الإخلاص لعملية السلام ورفض المقاومة والإصرار على بقاء السلطة) متوفرة بالكامل عند دحلان أيضا ، لكن الفارق أن عباس قد أصبح رئيسا منذ سنوات ، وهو أكثر شرعية من الناحية التاريخية ، وليس من السهل الدخول في ماراثون طويل لتوفير ذات الشرعيات داخل فتح والمنظمة والسلطة لدحلان ، وربما لشخص آخر معه ، وحتى لو كان ذلك ممكنا بقدر ما ، فهو سيستغرق وقتا طويلا ، بخاصة في ظل الانقسام الواقع بين الضفة والقطاع.
من الناحية العملية ، تبدو التهم الموجهة لدحلان مضحكة إلى حد كبير ، وهي تنم عن ضيق بالنقد ، فلو كان عرفات يحاكم كل واحد على ممارسات من هذا النوع ، إذن لفصل نصف القيادة ، فقد كانوا يقولون فيه (وتاليا في زوجته) ما لم يقله مالك في الخمر ، لكنه كان يتحمل ذلك ، أو يعاقب بطريقته (غالبا عبر المال والمخصصات) حتى يعود المتمرد إلى السرب.
يعلم أعضاء اللجنة المركزية الذي اتخذوا قرار تجميد عضوية دحلان ، وأقله تجميد حضوره لاجتماعات اللجنة كما قال عباس زكي ، أن المال يجري بين يدي دحلان منذ زمن طويل ، وأنه هو الذي أتاح له التفكير في الانقلاب على ياسر عرفات شخصيا ، كما يعلمون أن جزءًا كبيرا من التنظيم في قطاع غزة يدين له بالولاء ، وهو اليوم يمد نفوذه نحو الضفة ، فأي جديد يستحق الضجة؟،. جديد الأمر كما أشرنا هنا من قبل هو كلام دحلان الشخصي والعائلي على الرئيس (اتهامه بتركيز الاهتمام على مصالح أبنائه) ، وإلى جانب ذلك ترشيحه لناصر القدوة ليكون رئيسا للسلطة ، وربما فتح باب الحديث عن التغيير في منظومة السلطات في فتح والمنظمة ، الأمر الذي استفز الرئيس ودفعه نحو اتخاذ الإجراءات الجديدة.
من الجدير ذكره هنا أن الجهات التي تدعم دحلان لم تتخل عن الرئيس ، بل لعله الخيار الأفضل بالنسبة إليها حتى الآن ، لكنها كانت تبعث إليه برسالة واضحة مفادها أنه ليس الخيار الوحيد وأن الطوفان لن يكون من بعده ، إذ تتوفر خيارات أخرى ، وهي رسالة ضغط من دون شك ، وفي ظني أنها وصلت وسيكون لها ما بعدها ، وهو معروف وواضح ممثلا في القبول بالحل المؤقت أو الانتقالي من دون كثير تردد ، وهو الحل الذي يتفق عليه ليبرمان ونتنياهو وباراك وتسيبي ليفني والآخرون ، كما يحظى بدعم أمريكي لا لبس فيه.
على أن السؤال الذي لم يجب عليه أعضاء اللجنة المركزية الذين اتخذوا الإجراء بالإجماع ضد دحلان هو إلى أين تمضي حركتهم العتيدة ، وما هو برنامجها للرد على انسداد الطريق نحو الدولة الموعودة مقابل مشروع الدولة المؤقتة الذي يتحرك حثيثا على الأرض؟ لا جواب بالطبع ، فمن يعيش ببطاقات في آي بي المحتل ، لن يكون مؤهلا لتحدي إرادته بأي حال. (الدستور)