ونحن نستقبل العشرية الثانية من الألفية الثالثة

فجأة ، ومن دون مقدمات ، يحتل هذا البلد العربي أو ذاك ، صدارة عناوين الأخبار ومقدمات النشرات الإخبارية: هنا مظاهرات واشتباكات على خلفية البطالة ، هناك آلاف القتلى والجرحى على خلفية الانقسام المذهبي ، وهناك حرب شوارع بين المواطنين فيما بينهم ، وبين المواطنين والدولة على خلفية "زواج مختلط" أو تغيير أحدهم أو إحداهنّ لمعتقده.
تونس اليوم في صدارة الأخبار على خلفية أحداث سيدي بو زيد ، قبلها كان اليمن في صدارة الأخبار - ولا يزال ، والأرجح أنه سيبقى - على خلفية الصراع الدامي بين السلطة والحوثيين ، وهو الصراع الذي أودى في جولته الأخيرة ، بحياة ثلاثة آلاف جندي 14و جريحا وثلاثة مليارات دولار وفقا لنائب رئيس الجمهورية ، من دون احتساب قتلى الحوثيين والمدنيين ، وبفرض ان هذه الارقام دقيقة.
لبنان على مسافة خطوة واحدة من حافة الهاوية ، والسودان على مرمى أسبوع واحد من الانفصال ، والعراق لم يلملم جراحه بعد ، ومسلسل الأزمات الدورية في البحرين لم ينته فصولا ، والمغرب بالكاد خرج من مشكلة "العيون" ليدخل في غيرها ، والحبل على الجرار.
تعددت الأسباب والنتيجة واحدة...تعددت مظاهر الاحتقان والتنفيس عنه ، لكن السبب واحد: عجز الدولة الوطنية العربية عن معالجة قضية المواطنة ، وتفاقم الاختلال في علاقة الدولة بمواطنيها.
ليست الدول والمجتمعات العربية جميعها على ذات السوية في مسألة التحول إلى ضفاف الدولة الحديثة ، وليست المشاكل التي تواجهها هذه الدول والمجتمعات على ذات القدر من التفاقم والتأزم ، لكن مع ذلك ، فإن الدول العربية ، تواجه أزمة الشرعية والهوية والمواطنة ، وتدفع ثمن الخطوط الوهمية التي تقسّم مواطنيها ، منذ خطوط سايكس بيكو وحتى الخطوط الفاصلة بين الواجهات العشائرية والطوائفية والمذهبية.
خلال العقد الأول من الألفية الثالثة ، واجه العراق والسودان واليمن والصومال ولبنان وفلسطين ، مخاطر الانقسامات والاحترابات الأهلية...ها نحن نودّع ذاك العقد بكثير من البكائيات والمراثي عن الزمن العربي الرديء...وها نحن نستقبل العشرية الثانية من الالفية الثالثة ، بـ"خرائط" متحركة ، توزّع المجتمع الواحد والدولة القطرية الواحدة إلى عدة كيانات ومكونات.
وليس مستبعدا أن نستقبل العشرية الثالثة ، بعد أن يكون عدد الدول العربية قد ناهز الثلاثين دولة ، وبعد أن تكون "القنصليات" في أربيل وجوبا والفاشر وعدن والمكلا قد تحولت إلى سفارات ، ليس مستبعداً أن نغرق خلال السنوات العشر القادمة في دوامة صراعاتنا وحروبنا الاثنية والعرقية والمذهبية والطائفية والجهوية والمناطقية...ليس مستبعداً أن نقف بعد عشر سنوات ، لنبكي على أطلال كيانات عربية "سادت ثم بادت" ، أو نبكي مثل النساء ملكاً ضيّعناه ، لم نحافظ عليه مثل الرجال ، كما قالت المرأة الأندلسية.
قبل أيام ، وفيما نحن نتحضر لوداع العام 2010 ، عدت إلى أرشيف المقالات المنشورة في هذا اليوم من كل سنة ، وعلى مدى أكثر من عشر سنوات ، لم أجد مقالا واحداً "يسر القلب" ، بكائيات ومراثي لم ينطلق أي منها من "الجحود" أو إنكار "المكتسبات" ، كما توصف في العواصم العربية ، بل هي صرخات مكتومة دون مستوى التعبير عن تهافت الحالة العربية ، وبدلالة ما كنا عليه وما انتهينا إليه.
نستقبل العشرية الثانية من الألفية الثالثة ، فيما العالم العربي يتخلف عن ركب التحولات الديمقراطية في العالم ، ولم تلحق به أية موجة من موجاتها المتلاطمة والمتعاقبة ، والتي ضربت مختلف شواطئ العالم إلا شواطئنا ، كان الله في عوننا ، وكل عام وأنتم بألف خير. (الدستور)