الشعب الجديد

تم نشره الأحد 20 أيّار / مايو 2018 12:49 صباحاً
الشعب الجديد
د باسم الطويسي

لم تمر العقود السبعة من عمر النكبة الفلسطينية بهدوء، ولكن السؤال التاريخي هل قدم الفلسطينيون بالدرجة الأولى ثم العرب ما تستحقه هذه البلاد من تضحيات طوال هذه السنين القاسية، وهل بالفعل لم يكن أفضل مما كان؛ سيبقى هذا السؤال الحرج مؤلما مؤجلا الى حين، ما لم يعمد الفلسطينيون الى مراجعة ذاتية وممارسة نقد ذاتي عميق ليس سياسيا واستراتيجيا، بل ثقافيا وإيديولوجيا لمسيرة السبعين عاما من النكبات والضياع.
حركة إبطاء التاريخ الفلسطيني تعمقت في العقدين الأخيرين أكثر من أي زمن آخر في تاريخ القضية التي تعيش أسوأ لحظاتها التاريخية. فمن دون شك، ستثبت الأحداث أن الفلسطينيين هم أكثر الخاسرين من زمن "الربيع العربي"، ومن التحولات العربية الدامية التي عمدت شوارع عواصم ومدن عربية كثيرة، على الرغم من أن العرب المعاصرين قدموا في مذابح الاقتتال الداخلي، في آخر خمس سنوات، أكثر مما قدموا لفلسطين على مدى قرن مرات كثيرة.
بعد سبعين عاما من النكبة، يتشكل شعب فلسطيني جديد قادر على التضحية أكثر وعلى تحمل الآلام أكثر وعلى الإيلام أكثر؛ فأكثر ما تحتاجه المقاومة الفلسطينية هو شكل جديد لاستنزاف الاحتلال؛ يوظف أشكال المقاومة كافة، البدائية والسلمية والمدنية، من أجل كسر شوكة الاحتلال، فلا شيء يستطيع جعل كيان الاحتلال يعود إلى مراجعة خياراته، في الحرب أو السلام، أكثر من الاستنزاف.
لكن ما يزال خيار الاستنزاف غير مخطط له من قبل الفلسطينيين، كما يبدو على الأرض. إلا أن ماكينة الاحتلال تدرك حجم خطورة هذا الخيار والمصير الذي يقود إليه. فهو بلا شك خيار اليأس الاستراتيجي؛ حينما يصل أحد أطراف الصراع إلى أنه لا فائدة من أشكال المقاومة التقليدية كافة، أو العمل السياسي؛ وأن الفرق في موازين القوى لا يمكن بأي حال اللحاق به. وتلجأ، عادة، قوى المقاومة لهذا الخيار في لحظات اليأس، لأنها تكون على استعداد لتقديم خسائر كبيرة مقابل إيقاع خسائر ولو محدودة، لكنها مستمرة ولا يحتملها العدو على المدى البعيد.
خيار استراتيجية الاستنزاف، وبمفهومه الفلسطيني الجديد، هو الخيار القابل للحياة، والقادر على تصعيد ثلاثة أشكال من الاستنزاف هي: الاستنزاف الاستراتيجي لجيش الاحتلال وإمكاناته البشرية بالدرجة الأولى، وإيقاع ضربات مؤلمة فيه؛ ثم الاستنزاف السياسي للنخب السياسية الإسرائيلية، وتحديدا صورة الدولة الإسرائيلية في العالم وصورة نخبها في الداخل، ما يزيد من أزمتيها الداخلية والخارجية. أما الاستنزاف الاقتصادي فقد يشكل تحديا من نوع آخر، إذا ما استطاعت المقاومة الانتقال إلى مستوى جديد ومتقدم من المقاطعة للبضائع والخدمات الإسرائيلية. وهي يمكن أن تضرب الاقتصاد الإسرائيلي إذا ما انتقلت المقاطعة إلى مستوى العالم الإسلامي والعالم ككل.
هناك ثلاثة تحولات حقيقية تجعل من خيار استراتيجية الاستنزاف قابلة للحياة على الأرض الفلسطينية؛ الأول، ما يدل عليه العديد من المؤشرات على بداية تغير منطق الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بما يتجاوز منطق التنظيمات التقليدية وأدواتها في المقاومة؛ إذ ثمة يأس فلسطيني عميق ينال منظمة التحرير الفلسطينية وصولا إلى حركة "حماس". بمعنى أن تغيير منطق الصراع وأدواته قادم من الطرف الأضعف، لكنه الأكثر استعدادا لتقديم التضحيات. والتحول الثاني يعكسه ظهور جيل جديد من المقاومين الفلسطينيين من الشباب والشابات، تحديدا الذين تجاوزوا خطوط التقسيمات الفلسطينية التقليدية، إلى جانب ظهور نخب سياسية فلسطينية صغيرة تنتشر هنا وهناك غير مؤمنة بالمنطق السياسي الذي يدير العمل السياسي والمقاومة وتحالفاتها، ويبحث عن طريق جديدة. أما التحول الثالث، فيبدو في عودة المقاومة إلى استخدام أدوات بدائية، وإلى الابتكار في أدوات المقاومة مثلما يحدث كل جمعة في مسيرة العودة، وهو التطور الذي جعل هذا النمط من المقاومة يتسع حتى وصل إلى داخل ما يسمى الخط الأخضر. وأهمية هذه الأنواع من الأدوات أنها قابلة للاستدامة والاستمرار والانتشار، الأمر الذي بدأت تدركه الماكينة الدعائية الإسرائيلية.
لحظة اليأس الفلسطيني لن تقود الى المزيد من الإحباط التاريخي والمزيد من إبطاء التاريخ، بل الى خيار المراجعة والنقد وميلاد شعب جديد، وهذا ما يحدث اليوم.

الغد - الاحد 20/5/2018



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات