العنف في الوطن العربي كله

هل يمكن التعميم على المجتمع العربي بأنه يمر في حالة مخاض، وأنه يعتصر ويتأوه قبل أن يلد أمرا جديدا؟ هل نحن على أعتاب تحول كبير، تصبح فيه الممنوعات أمورا عادية، والأساطير حقيقة ملموسة، والأمنيات واقعا مستجابا؟ ولم كل هذا العنف وتلك الفتنة؟ وهل انقسم الناس بين من يرى في العنف وسيلة للتعبير عن واقعه السقيم، ومن يرى في الفتنة دمارا وخرابا ويؤمن بتحسين الأمور من داخل المؤسسة؟
إن من العنف ما يذكرنا بثورة الزنج أيام الخليفة المعتمد العباسي، أو ثورة القرامطة بحجة الانتصار للمزارعين، التي ما لبثت أن تحولت الى حركة فوضوية دموية، أو ثورة الحشاشين الذين قادهم، حسب الرواية التاريخية، الحسن بن الصباح، أم أنها ثورة عرابي التي قامت على أكتاف الحركات الإصلاحية في مصر؟!
لا شك أن الاصلاح الناجع والذي يدوم هو ذلك الذي يأتي من الداخل، ولكن ليس بعد فوات الأوان، فلننظر إلى تونس البلد الجميل الأخضر، والذي تدل نتائجه على أنه من أنجح الدول العربية نموا ثابتا، وتحقيقا لجذب الاستثمار، وهو متقدم في مجالات التعليم والصحة وكثير من المقاييس للرفاه الاجتماعي، كل هذا لم يمنع الناس المهمشين من الاحتجاج على أوضاعهم.
ما يجري في الجزائر، البلد الكبير واسع الثروات والغني بمصادر الطاقة، يستحق أن نتوقف عنده؛ فالجزائر التي حررها أبطالها بقيادة جبهة التحرير، صار بعض هؤلاء هم العبء الكبير عليها، ويذكرنا هذا بالجيش الانكشاري العثماني الذي كان سببا في تحقيق الانتصارات، ولكنه في زمن السلم والمعاهدات تحول الى عبء كبير، حتى اضطر السلطان محمود الثاني في الربع الاول من القرن التاسع عشر الى تفكيكه بعدما قدم ما قدم.
الوطن العربي ليس وطنا واحدا، بل هو أوطان تزداد عددا وتقل بركة وإنتاجا، والخطر بمزيد من الانقسامات داخل كل قطر منها لا يستثني أحدا، ولا شك أن وراء كل هذه الأعمال أناس يتآمرون على هذه الأمة ومستقبلها، ويراهنون على تراجعها وانكفائها الدائمين غير القابلين للدوران أو التوقف.
إن العلاقة بين الناس وأولياء أمورهم تحتاج إلى إصلاح وإعادة نظر، وليس مجرد ديكور خارجي يعطي سمات الاصلاح، ولكنه في الواقع تكريس للأمر الواقع.
ولا بد أيضا من إصلاح ذات البين على المستوى الأفقي بين الناس، حتى يستطيعوا الاتفاق على قواعد أساسية تنظم شأنهم الداخلي والخارجي.
ما نراه من تقهقر في أقطار الوطن العربي ليس من صنع الاقتصاد وحده، ولكنه حصيلة لتراجع في الإدارة والكفاءة، وغياب للمرجعيات المقبولة والمتفق عليها، وتكريس الأقوياء لنفوذهم وعدم الرغبة في المشاركة.
والتهميش الذي نعانيه لا يمكن أن يبقى طي النسيان، في عالم صارت كل همسة فيه مرصودة، بينما تتسع فيه الآفاق الرحبة إلى ما لا نهاية، والناس ليسوا طيورا جميلة محبوسة في قفص ترنو من خلال أسلاكه إلى أفق لا ينتهي.(الغد)