استدارة على جبهة أخرى

زيارة رئيس الوزراء المتوقعة اليوم إلى قطر بمثابة استدارة أخرى تقوم بها السياسات الرسمية، لكن هذه المرّة على صعيد الجبهة الخارجية وليس الداخلية.
ربما من سوء حظ الحكومة أنّ ما تقوم به حالياً من خطوات مختلفة عن المرحلة السابقة (كسر الحالة السياسية المتشنجة في الداخل، وتقديم رسائل مختلفة في السياسة الاقتصادية نحو الشريحة الواسعة، وأخيراً هذه الزيارة)، يأتي متأخراً جداً، وبعد أن ولدت قناعة لدى الشارع والرأي العام بأنّ هذه "الاستدارات" هي نتيجة تدخلات جراحية من صانع القرار، وليس بمبادرة من الحكومة نفسها، وهو ما يحدّ من نتائج إيجابية يمكن أن تأتي بها تلك الخطوات لتحسين صورة الحكومة وشعبيتها.
بالعودة إلى زيارة قطر، فإنّها تأتي كمحاولة جديدة لتحسين العلاقات بين الطرفين، وقد سبقتها محاولات أخرى لكسر الجليد والتخفيف من الرسائل السلبية المتبادلة خلال السنوات الأخيرة، والتي تصعّب مع مرور الوقت أي عودة إلى وراء، حين كانت العلاقة بين الدولتين على خير ما يرام.
قطر، اليوم، بعيداً عن العواطف والتقييم الإيجابي أو السلبي، تمثّل نموذجاً مختلفاً في العالم العربي، استطاعت أن تشق طريقها بذكاء نحو الحضور السياسي والإعلامي. وعلى خلاف غيرها من الدول الثرية وظّفت جزءاً كبيراً من مواردها المالية لتعزيز صورتها ودورها وأهميتها السياسية، بل وسرقت الأضواء من العواصم الأخرى التي احتلت مكانة اقتصادية في المنطقة. وعلى المستوى الإعلامي أنجزت كثيراً، وسياسياً قدّمت خطاباً ذكياً يرسم لها دوراً ومكانة، وأخيراً استضافة كأس العالم في العام 2022.
على المستوى الأكاديمي، فإنّ قطر استقطبت جامعات عالمية وباحثين على درجة عالية من الخبرة والكفاءة، وما تزال ماضية في فتح مراكز دراسات وتخصصات، وإذا ما استمرت على هذا النهج، ستكون قريباً بمثابة "الحاضنة الأولى" للجامعات العالمية والمراكز الكبرى في المنطقة.
كل ذلك سيجعل من قطر دولة مهمة جداً للكفاءات الأردنية، حتى تجد فرص عمل مميزة، وترفد الاقتصاد الوطني بأحد أهم مداخيله (بالطبع طالما أننا نحن عاجزون عن رعاية هذه الكفاءات وتوفير المناخات المناسبة لها).
الأزمة الحالية بين الدولتين أدت إلى إقفال الباب بصورة كبيرة أمام الكفاءات الأردنية في السنوات الأخيرة، بل وتضررت حتى الجالية الموجودة هناك، بالإضافة إلى حالة القلق التي تولدها أي أزمة حادثة أو مشكلة طارئة.
تحليل أبعاد الأزمة الحالية ومسبباتها مسألة مركبة وذات أبعاد، لكن ما يهمنا هنا أنّ مطبخ القرار وهو يرسم رهاناته الدبلوماسية وسياسته الخارجية مطالب بأن يضع مصالح المواطنين الأردنيين في اعتباره كأولوية قصوى، وهو ما يجعل من تجاوز أي خلافات مع قطر بأكبر قدر من المرونة مطلباً وطنياً، وأي سياسة بخلاف ذلك بمثابة إضرار بالمصلحة الوطنية، في حدود حفظ الكرامة الوطنية للبلاد وسمعتها، ولا يمثّل تنازلاً عن ذلك.
إصلاح العلاقات مع قطر يتطلب شرطين رئيسين؛ الأول حديث صريح وصادق، يؤكد عدم وجود أي حساسية أردنية تجاه قطر.
والشرط الثاني، أنّ العلاقة مع قطر مرتبطة بحزمة من السياسات الإقليمية الجديدة مع حماس وسورية وهذه الدول، وخطوتين إلى وراء في قضية الاصطفافات الإقليمية التي لم تخدم الأردن، بل أضرته كثيراً، في مجالات مختلفة.
ما نأمله أن يتوفّق الرئيس في زيارته وأن تكون الأجواء المتوقعة القريبة مؤذنة بنهاية الأزمة واستعادة المبادرة في العلاقات الأخوية. (الغد)