صراع الصبّار مع الياسمين

أطلق مواطنو مدينة سيدي بوزيد وباقي المدن الصحراوية التي انطلقت منها الثورة في جنوب وغرب تونس تسمية "ثورة الصبار", وبالمقابل كان هناك في باريس من استخدم تسمية "ثورة الياسمين", ونظراً للطابع السياحي لتسمية "الياسمين" فقد انتشرت أكثر من "الصبار".
اختلاف التسمية يعكس اختلافاً حول مستوى نعومة أو خشونة الثورة, فأنصار الياسمين لا يتوقفون عن التأكيد أن الثورة لم تهدف إلى تلبية مطالب الفقراء بقدر ما هدفت إلى الإصلاح والحريات السياسية, وهو موقف قد ينطوي, عند لحظة معينة, على تمرير لإشاعة النمو والازدهار والمعجزة الاقتصادية التونسية والتجربة الفريدة في مقاومة الفقر في تونس. ويتم تعزيز ذلك بمجمل المشاهد التي تُنقَل من مواقع تونس الساحلية.
لقد بدأت بعض الفضائيات مؤخراً بنقل تقارير تنشر لأول مرة من مواقع جنوب وغرب تونس لترينا مشاهد أخرى توضح ما يسميه التونسيون أنفسهم "فساد النموذج التنموي" وتفضح التزييف في الصورة الإعلامية التي كان النظام السابق لا يسمح بتقديم غيرها.
إن أهمية الصراع بين الياسمين والصبار ليست شكلية على الإطلاق, وهي لا تخص تونس وحدها, إن السؤال حول الأولوية بين مطالب الإصلاح السياسي ومطالب العدالة الاجتماعية سؤال جوهري.
قد يطول الصراع بين الصبار والياسمين هناك, وقد يتوصلان إلى تفاهمات على مستقبل الثورة, وفي الصور التي نقلتها الفضائيات عن الصبار في تونس ظهر أنه من النوع القاسي ذي الأشواك الطويلة الصلبة.
أخيراً أنهي بالتذكير بموقف مماثل - نسبياً- في الأردن عام 1989 عندما تم الالتفاف على هبة الفقراء في الجنوب بتقديم إصلاحات سياسية استفاد منها "الياسمين" من "نشطاء" السياسة والاعلام والثقافة ومنظمات المجتمع المدني, والغريب أن هؤلاء لا يزالون كلما ساءت الظروف يسألون بلا خجل: "هل سيتحرك الجنوب?".(العرب اليوم)