ثقافة الاستقالة

تم نشره الثلاثاء 09 تشرين الأوّل / أكتوبر 2018 12:43 صباحاً
ثقافة الاستقالة
د. رحيل محمد غرايبة

نحن لا نملك الجرأة على الاستقالة من المناصب العالية و مواقع المسؤولية، ولا نملك هذه الثقافة أصلاً، بل لقد تشكل لدينا ثقافة معاكسة تماماً إلى درجة أن الاستقالة أصبحت بالمفهوم الشائع تعد من قبيل الاستسلام وفقدان حس المقاومة وصلابة المواجهة، وأصبح الاستمرار بتحمل المسؤولية نوعا من المكابرة رغم العجز والفشل والتدهور المريع وخراب مالطة..
نحن بحاجة إلى إعادة بناء ثقافة الإقدام على الاستقالة من مواقع المسؤولية اذا كان ذلك حقا، و بحاجة إلى إعاده بناء الجرأة لدينا بالاعتراف بالفشل والاقرار بالعجز ان كان موجودا وهو موجود بكثرة ، وأن يعد ذلك خلقاً كريماً وليس عيباً أو نقصاً يستحق التوبيخ أوالطعن بالكرامة الشخصية، ينبغي أن يصبح ذلك أمراً سهلاً و ميسوراً وممدوحاً، يستحق الثناء والتقدير والتكريم.
ليس معقولا أن تتعرض الأمة إلى هذا الكم الهائل من الهزائم والانكسارات وضياع الارض والمقدسات، ومع ذلك لا نجد من يتحمل مسؤولية فشله في موقعه، وليس معقولاً أن يتراكم لدينا أهرامات عملاقة من الفشل والعجز الشنيع، ولا نكاد نعثر على مسؤول واحد يعترف بفشله وتقصيره وعجزه عن تحقيق أهداف شعبه.
لقد تعرض العرب لهزيمة قاسية عام (1948) ؛حيث استطاعت مجموعة من العصابات هزيمة سبعة جيوش عربية ولم يسجل التاريخ استقالة زعيم واحد، وتكررذلك الموقف بطريقة اكثر بشاعة عام 1967، ومع ذلك لم يتم تسجيل موقف رجولي شجاع يصدر عن من يتحمل مسؤولية ما حصل، ونعيش واقعاً عربياً مزرياً بكل ما تحمل الكلمة من معنى ؛ جيوش تحطم ودول تنهار وشعوب تتشرد ومؤسسات تدمّر، ومع ذلك نجد دائماً ثقافة التبرير وثقافة تعليق الفشل على الآخرين و على الأطراف الخارجية والمؤامرات الكونية، وأصبح لدينا عقلية ممنهجة وفق هذا التبرير السمج القبيح.
لا يتعلق هذا الأمر في الأحداث الكبرى بل يكاد يندرج على مجمل الأمور السياسية والإدارية والاقتصادية لدى الأغلبية الساحقة من الأقطار العربية فنلحظ فشلاً ذريعاً في بناء الاقتصاد الانتاجي، وفشلا في التعليم والبحث العلمي، و فشال في محاربة الفقر والبطالة، وفشلا في حل أزمة النقل، و فشلا مستفحلا في مواجهة الفساد، ومع ذلك لا نجد من يخرج علينا ويصارحنا بفشله وعجزه وعدم قدرته على تحقيق طموحات شعبه.
نحن بحاجه إلى تكليف واضح لأصحاب المسؤولية منذ البدء يقوم على شرط الاستقالة عند الفشل، والحكم عليهم من خلال مؤشرات الاداء والانجاز المعروفة عالمياً، فعند العجز عن التقدم على دليل التنمية البشرية فهذا يعني حكماً صريحاً على الفشل على صعيد مجمل المسارات، وعند العجز عن تحقيق أرقام نمو حقيقية مرسومة مسبقاً، فهذا يعني ضرورة الاعتراف بالفشل المحتم الذي يستحق الاستقالة، وعند العجز عن تخفيض الدين وفق جدول زمني مرسوم فهذا يعني بكل وضوح العجز عن تحقيق المطلوب.
ربما لو حاولنا امتلاك ثقافة الاستقالة وامتلاك الجرأة على الاعتراف بالتقصير والعجز لأصبح لدينا فرصة معقولة في البحث عن بدائل ناجحة بدلاً من إعادة تدوير العاجزين والفاشلين في كل محطة حرجة.

الدستور - الثلاثاء 9/10/2018



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات