مقدمات ومقومات تحقيق إقامة الدولة الفلسطينية

في العام 1988 اعلن رئيس منظمة التحرير الفلسطينية المرحوم ياسر عرفات من الجزائر عن ولادة الدولة الفلسطينية على الورق على امل ان يتحقق ذلك على الارض وذلك وفق شروط دولية مسبقة اعلنها ابو عمار يومها في خطاب اعلان الدولة حيث اعلن اقرار فلسطين بشرعية اسرائيل ووجودها والتخلي عن خيار الكفاح المسلح ونبذ العنف وتم الالتزام بذلك فلسطينيا بالاستجابة سلفا لكل ما تريد اسرائيل وتحقق لمنظمة التحرير اعتراف غالبية دول العالم بالدولة الاسمية الفلسطينية وفتحت لها سفارات في العديد من عواصم العالم.
وفي تقديرات السلطة الفلسطينية اليوم ان حملتها لحشد اعتراف من دول العالم بالدولة الفلسطينية يمكن ان يقود لضغط عالمي على اسرائيل بالاعتراف بالدولة الفلسطينية على الارض ، وهو ما تتنكر له اسرائيل بما في ذلك التزامها بذلك من خلال اوسلو.
وما تغير منذ توقيع اتفاقية اوسلو في العام 1993 ، وحتى اليوم هو تكريس للاحتلال وتوسيع للاستيطان ، وتحويل حياة الناس الى جحيم ، ما تغير هو انهاء حرج اسرائيل تجاه المجتمع الدولي الذي كان ينظر لها قبل اتفاقية اوسلو باعتبارها سلطة احتلال تمارس القمع.. ما تغير هو ان اسرائيل قبل اوسلو كانت تمنح للفلسطينيين فرصا للعمل وتؤمن مستلزمات حياتهم كسجناء في سجن كبير ، اما بعد اوسلو فلم يعد هناك سجن من مسؤوليتها فقد اصبح الحديث حول اراض متنازع عليها وعن حق الشعب الفلسطيني في تنظيم انتخابات بلدية وتشريعية لما تسميه اسرائيل اسكان وتم اقامة سلطة حكم اداري ذاتي باسم السلطة الوطنية الفلسطينية تنحصر مهماتها بتولي ضبط الامن نيابة عن اسرائيل وتولي ادارية الخدمات وشؤون الحياة اليومية نيابة عن اسرائيل ايضا.
واذا كانت اسرائيل لم تلتزم بتعهداتها عبر اوسلو باقامة دولة فلسطينية في ايار من العام 2000 فما الذي يجعلها تقبل اليوم بذلك وبوهم استقلال شبيبة الكوسفو .
ما نريد ان نقوله ان الشعب الفلسطيني لم يكن بحاجة الى التأمل بتجربة كوسوفو واعلانها الاستقلال ليقوم بخطوة مماثلة لان كوسفو استكملت كل شروط الاستقلال قبل ان تعلن هذا الاستقلال ، واكثر من ذلك كانت هنالك تبعية للمحيط في اطار تاريخي كان يوفر احيانا وحدة البلقان وفي احيان اخرى عندما تضعف الدولة المركزية القومية في البلقان يتم التفتت بحيث اصبحت كلمة البلقنة احد عناوين التقسيم.
ما يعنينا هو تذكر الحالة الفلسطينية الراهنة ، التي لا يشك احد انها تتدهور نحو الاسوأ وان سطوة الاحتلال وارهابه في تزايد وقسوة وحشية خاصة في ظل حرب الابادة والدمار المستمر منذ العام 2000 بدون توقف ، وبما يعني ان الحديث عن الدولة الفلسطينية هو حديث عن فرضية او حديث عن دولة على الورق ، ابتداء من اعلان الدولة الفلسطينية في العام 1988 من الجزائر ، لكن لم تكن لا في ذلك الحين قبل 23 عاما ولا اليوم هنالك اية معطيات حقيقية او اية مضامين جدية للاعلان عن الدولة الفلسطينية او عن قيامها ، وبشكل خاص فان انتقال القيادة الفلسطينية الى الداخل لا يعني تجسيد اقامة الدولة كما ان اتفاقية اوسلو وما تضمنته من حق الفلسطينيين باعلان دولتهم في ايار من العام 2000 بعد الانتهاء من الاتفاق على قضايا الحل المرحلي حيث كانت اوسلو تعكس خديعة ، واجراءات شكلية سرابية.
وما نتمناه بعد كل هذه التجربة المريرة للقيادة الفلسطينية ان لا تتوهم ان الدولة ممكنة قبل ازالة الاحتلال عمليا وبما يلبي الحد الادنى من تطلعات الشعب الفلسطيني في اقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني ، وهذا هو العنوان الوحيد والمضمون الحقيقي لاقامة الدولة الفلسطينية واعلان الاستقلال وما عداه اوهام وخداع للنفس يوفر غطاء لتكريس الاحتلال.(الدستور)