التاريخ يتحرك عربياً

بعد سـنوات وعقـود من الركود في العالم العربي وصل التاريخ أخيراً ، وأخذت الأحداث تتوالى ، فرياح الحرية والديمقراطية التي هزت العالم قبل 20 عاماً، لم تستطع في حينه أن تقتحـم حدود الوطن العربي. ويبدو الآن أن التاريخ بدأ يتحرك بقـوة بعد أن فتح ثغرة ، ثم أخـذ ينتشر بسرعة كما تنتشر بقعة الزيت على سطح الماء.
جنوب السـودان لم ينفصل عن السودان بل انفصل عن النظام السوداني ، الذي سمى نفسـه حكومة الإنقاذ من قبيل تسمية الأِشياء بعكسـها كما تسمح اللغة العربية.
في تونس الحمراء لم تكـن المشكلة انقلاب عربة بائـع متجول ، تحمل خضراوات وفواكـه للبيع من قبل شرطي مهووس ، بل كانت المشكلة مشـكلة نظام فاسـد عمل على خنـق الشعب التونسي وربض على صـدره لمدة 23 عاماً من الظلم والكبت والفساد ، على يد طبقة حاكمة.
في لبنان مطلوب التستر على المجرمين الذين اغتالـوا الرئيس رفيق الحريري ومجموعة من قادة الرأي من اتجاه سياسي معين ، بأسلوب لا يمكن أن يكون فردياً ، ولا بد أن تقـف وراءه دول ومخابرات وتنظيمات عسـكرية تستحق أن تكشف.
في الأخبار أيضاً غليان شـعبي في اليمن ومصر والجزائر ، لا يدري أحد كيف تنتهـي. فالركود انتهى ، وجاء وقت التغيير.
كان يقال إن الاسـتبداد أمر طبيعي في الشرق ، فالشـعوب الشرقية لا تفهم الديمقراطية ، ولا تثور على الظلم ، لكن ما حـدث في ثورة التوانسـه لا يقل عن ثـورة الألمان الذين حطمـوا جدار برلين ، وما يحدث من تحركات شـعبية في عدد من البلدان العربية اليوم يدل على أن وقت التغيير الذي تأخـر كثيراً قد جاء أخيراً ، وما كان يمكن ويجب أن يحدث بالتدريج والهدوء ، سوف يحدث بالعنف.
عنصر الخطورة في الغليان الشـعبي العربي أنه عفـوي ، بلا تنظيم أو قيادة أو رموز ، الأمر الذي يخشى معه أن يبرز انتهازيون يركبون الموجه ويعيدون إنتاج الاسـتبداد والفسـاد.