ظلال ثقيلة ومرحلة صعبة
يواجه الرئيس المكلف د. معروف البخيت منذ اللحظة الأولى تحديين عاجلين وحاسمين. الأول، أنه أمام مرحلة إقليمية وداخلية مختلفة، بحاجة إلى خطوات سريعة ورسائل واضحة. والثاني، تجربة لها ظلال ثقيلة على الرأي العام والقوى السياسية المختلفة، لم يمر عليها وقت طويل بعد!
على صعيد المرحلة الجديدة، هنالك حراك سياسي داخلي كبير، وحزمة من المطالب الإصلاحية غير التقليدية في المجال السياسي، وموازنة حسّاسة وظروف مالية واقتصادية خانقة، وفساد مستفز جداً للرأي العام.
الأهم من ذلك أنّ المنطقة تمور بمتغيرات كبرى، أهمها على الإطلاق ثورتا مصر وتونس وتداعياتهما على الدول العربية، وفتح شهية الشعوب العربية للإصلاح الحقيقي البنيوي.
على صعيد تجربته السابقة، ربما لا تكون منصفة عملياً للرجل، إذ إنّها تعكس مرحلة ملتبسة وسلبية بالكلية، دفع هو شخصياً ثمناً باهظاً فيها، لكنه يتحمل الجزء الأكبر من مسؤوليتها السياسية والأدبية، لدى النخب السياسية والرأي العام.
أعتقد أنّ الرسالة الملكية واضحة تماماً منذ الفقرة الأولى في كتاب التكليف بأنّ الأولوية القصوى هي "اتخاذ خطوات عملية سريعة وملموسة، لإطلاق مسيرة إصلاح سياسي حقيقي"، وكلمة "حقيقي" توضع تحتها خطوط عدة، وهي كلمة جديدة تعكس حجم المطالب الشعبية، وقد تضمّن كتاب التكليف بوضوح ضرورة فتح الباب لبناء طاولة حوار وطني واسع.
صحيح أنّ الرئيس البخيت ليس فاسداً، ويحمل رؤية أقرب للطبقة الوسطى والفقيرة في الاقتصاد، وله مواقف سياسية صلبة في استحقاقات التسوية السلمية، ما يمنح رسائل إيجابية لشريحة واسعة. إلاّ أنّ الانطباع السياسي العام عنه أنه أقرب إلى "المدرسة المحافظة" سياسياً، ما يقلق شريحة واسعة على الجهة المقابلة.
الرجل عرض رؤية للإصلاح السياسي في أكثر من مرّة تحتاج إلى مراجعة حقيقية من قبله، في ضوء ما يحدث في مصر وتونس، إذ إنّ المياه جرت تحت الأقدام، ولم تعد مناسبة للسرعة المطلوبة، وفي سياق الجملة المفتاحية في كتاب التكليف "خطوات ملموسة وعملية"، فإن المطلوب منح الأولوية القصوى للإصلاح السياسي.
كسباً للوقت، لا بد للبخيت منذ الآن، أن يبعث برسائل "حسن نية" تجاه القوى الإصلاحية، والمسارعة إلى فتح حوار معها، وإلاّ فسيخسر المعركة السياسية والإعلامية منذ اليوم الأول.
تشكيلة الحكومة تعكس طبيعة التفكير في المرحلة المقبلة، لذلك فإنّه مطالب باختيار شخصيات من الوزن الثقيل في "المطبخ السياسي"، لكن ممن يحملون رؤى إصلاحية سياسية، ولهم مصداقيتهم في الشارع، وأن يخفف من الوجوه المحافظة سياسياً، بالتوازي مع انفتاح كبير على الإعلام، والبدء بعملية إصلاح فوري للإعلام الرسمي المتدهور.
الأيام الأولى حاسمة في الحكم على الرجل، وهو في امتحان عسير، ومفتاح النجاح يكمن بنزع الاحتقان السياسي والدفع بقوة نحو الانفتاح والحوار تمهيداً لإصلاح سياسي بنيوي فوري للتخفيف من الآلام الاقتصادية للشارع.
في سياق الحوار السياسي، فإنّ انطباعات سلبية لدى القيادات الإسلامية نحو الرئيس، وهم قلقون من قدرته على تفهّم مشروع الإصلاح الجديد لديهم. لكن أحسب أنّ الانفتاح الرسمي من أعلى المستويات على الحركة خلال الأيام الماضية، وحتى أمس، إذ كانت قيادات الحركة في لقاء مع مرجعية عليا، هو مؤشر واضح بأنّ المعادلة السابقة تجاه الحركة الإسلامية في طريقها للتغير، وأننا أمام مرحلة جديدة في النظرة الرسمية إليها.
البخيت أمام مهمة صعبة جداً، عنوانها صوغ عقد اجتماعي جديد، وسيساعده كثيراً لو وضع يده بيد طاهر المصري، رئيس مجلس الأعيان، والشخصية الإصلاحية المرموقة، ليرسما معاً الخطوات الإنقاذية.(الغد)
