فيضانات خاطفة..!

تم نشره الإثنين 12 تشرين الثّاني / نوفمبر 2018 12:41 صباحاً
فيضانات خاطفة..!
علاء الدين أبو زينة

مخيفة كانت صور الفيضانات الخاطفة التي ضربت مناطق من البلد يوم الجمعة. وعرضت المشاهد هشاشة البشر أمام ثوران الطبيعة. واختبر الذين شاهدوا السيول الهادرة بالعين تلك الإثارة التي ينطوي عليها الاشتباك مباشرة مع شيء طاغٍ. ولا يريد أحد أن يكون محل الإخوة الذين داهمت المياه بيوتهم، أو الذين حاصرتهم في سياراتهم. مجرد التخيُّل مخيف. ويبدو أن تغييراً حقيقياً طرأ على فصول الشتاء في الأردن بحيث أصبحت تأتي محملة بالخطر وتوقع ضحايا. ولذلك، يجب أن تتغير الاستعدادات والأفكار وكل ما يجب من أجل التكيف مع الاحتمالات الجديدة.
ربما كان الثمن فادحاً، أولاً في أرواح الأحباء، ثم في الممتلكات والبنية التحتية، لكنّ الأحوال الجوية الأخيرة كانت بمثابة جرس إنذار ينبه إلى ضرورة التخلص من التقاعس في مواجهة التطورات الجديدة. وكانت الإنذارات المبكرة قد سبقت في السنوات الأخيرة، حين غرقت الأنفاق في شوارع عمان وطوابق التسوية في المباني -بل وجرفت المياه السيارات في الشوارع بعد فترات قصيرة من هطول الأمطار الكثيف.
من الإيجابيات الجديرة بالملاحظة في أحداث الجمعة، تمكن الجهات الرسمية من تأمين نحو 3500 سائح في البترا. وقد شاهدنا في الفيديوهات كيف كان الناس ينتظرون قدوم السيول من أماكن أخرى بكاميرات هواتفهم، لأنهم على دراية بقدومها مسبقاً بسبب أنظمة الإنذار المبكر. كما كانت جهات التوقعات الجوية دقيقة إلى حد كبير من حيث توقيت الحالة الجوية وحدتها، وحذرت المواطنين قبل أيام وأطلعتهم على الاحتمالات.
لكن التحذيرات والسوابق لم تتمكن من ضبط الفضول وترك الحذر اللذين لا يلزمان في هذه المواقف، حيث لا يأتي الخطر إليك وإنما أنتَ الذي تذهب إليه. وليست هذه شجاعةً بالضبط. وقد رأينا عشرات الناس على الأقل، ممن خرجوا بلا داعٍ إلى أماكن اندفاع السيول الجارفة. وحتى مع أن السيول كانت متوقعة في بعض الأماكن بسبب الإنذار المبكر هذه المرة، فإن أحداً لا يمكن أن يتوقع كيف سيأتي الفيضان، وإلى أي حدّ يمكن أن يخرج من مجراه ويجتاح الضفاف ويفتح لنفسه طرقاً غير متوقعة. وفي الكثير من الفيديوهات التي نشرها المواطنون من تلك الأماكن، سمعنا البعض وهم يصرخون على آخرين يقفون في مناطق خطرة يمكن أن تخطفهم منها المياه في أي لحظة.
هناك فرق بين نجدة الآخرين، وهي واجب لا جدال فيه حين تلزم، وبين التواجد حيث لا ينبغي التواجد. ونتذكر من فصول الشتاء الماضية قصص مواطنينا الذين خرجوا بعائلاتهم وأطفالهم في ذروة العواصف الثلجية إلى المطاعم أو للفرجة على الثلوج في أماكن بعيدة، فعلقوا وأغلقوا الشوارع بمركباتهم أمام سيارات الإسعاف والخدمات والإغاثة. ولا شك في أن هناك هواة مغامرة رأيناهم في الأخبار ممن يقودون مركباتهم إلى عين العاصفة والأعاصير القُمعية للتصوير من هناك، لكن هؤلاء ينبغي أن يكونوا قليلين وعارفين أيضاً باحتمالات الخسائر والمكاسب من مغامراتهم. لكن خروج الفرد بنفسه أو عائلته إلى المجهول في أحوال جوية غادرة، وبطريقة اختيارية، ليس فيه مكاسب على الإطلاق.
مع أحوال الطقس الأخيرة، بدأ بعض الخبراء بالتنبيه إلى قضايا أخرى مهمة غير المخاطر المباشرة، مثل امتلاء السدود بكميات غير معتادة من الطمي على حساب المياه، والقدرة الاستيعابية للسدود، وانجراف التربة والتأثير على الأراضي الزراعية. وهي كلها عناوين بالغة الأهمية، والتي ينبغي أن يتم التعامل معها بالبحث العلمي واقتراح وتطبيق الحلول. كما يجب الشروع –ولو أن هذا مستحق منذ وقت طويل- في تعديل البنية التحتية للعبارات والأنفاق وأنظمة التصريف للتعامل مع كميات كبيرة من الأمطار.
ومن جهة المواطنين، يجب أن تكون التجارب المؤلمة مع الطقس قد علمتهم التعامل مع التوقعات بجديّة، واتخاذ التدابير الممكنة من جانبهم لتقليل احتمالات تعرضهم للخطر. وعلى سبيل المثال، لا نعرف لماذا لا يبتعد الناس عن مجاري السيول والأماكن المنخفضة عندما تأتيهم التحذيرات من تعرضها للفيضان. أو لماذا يذهب البعض قصداً إلى حيثُ يتوقع أن تأتي السيول الجارفة، بهدف الفرجة والتقاط الصور. لكن العمل الرئيسي والمؤسسي للتكيف يظل رهناً بالجهات الرسمية التي ينبغي أن تكون قد أصبحت أكثر جدية بعد كل هذه الخسائر. وقديماً قالوا: مِن مأمَنِه يؤتى الحذِر!

الغد - الأحد 11-11-2018



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات