الأدوار الجندرية وراديكالية الخطاب النسوي

إن المتتبع لحركة تطور المجتمعات عبر تاريخ البشرية يلحظ ثمة قواسم مشتركة بينها جميعا، وإحدى أهم هذه القواسم هو النظرة الدونية للمرأة القائمة على معتقدات عدة حول طبيعة المرأة التكوينية بدءا من خصوصيتها البيولوجية وانتهاءا بدورها الجندري وفق الطبقة التي تعيش فيها وتنتمي إليها.
وإذا ما أمعنا النظر في أسباب هذه النظرة الدونية للمرأة لأحترنا حول أهم الأسباب التي ساهمت في تشكيل المجتمعات الذكورية واحتلال الرجال الأدوار المجتمعية والانتاجية التي أوصلتهم إلى قيادة دفة السفينة، في حين إن المراة اقتصر دورها عبر التاريخ على الادوار الانجابية، وما يرتبط بهذا الدور من ادوار ثانوية اخرى.
ولعل الاتجاهات النظرية التي حاولت تفسير هذه الفروق، وكيف تشكلت عبر التاريخ البشري قد تراوحت بين النظريات العلمية البيولوجية، والمقاربات السيكولوجية، والرؤى الاجتماعية التاريخية، وتلتقي جميع هذه التوجهات حول افتراض واحد مشترك هو ان النساء والرجال يفترض أن يتصرفوا بطرق مختلفة ، إلا أن محور الجدل في هذه المسألة يكاد ينحصر في سؤال واحد يدور حول قيمة وحجم ما نتعلمه من حولنا، إذ تتفاوت الاتجاهات النظرية في درجة الأولوية التي يعطونها للمؤثرات الاجتماعية خلال تفسيرهم الفوارق الجندرية.
إن التكوين الجندري ينشأ نتيجة ّالأدوار التي يقوم بها كل من الجنسين وفق التعاطي الاجتماعي والحضاري من خلال القيم والدين والطبقات وهي الأدوار التي تشكلها الظروف الاجتماعية، إنّ توزيع الأدوار الجندرية يتم على أساس التصورات ونظم القيم السائدة عن كل من المرأة والرجل والناتجة عن عملية التطبيع الاجتماعي في الأسرة والمؤسسات المجتمعية الأخرى( المدرسة، وسائل الأعلام.....الخ) وتستمعل كل المجتمعات البشرية وسيلة التوزيع هذه كمبدأ للتنظيم.
تختلف الأدوار الاجتماعية من مجتمع لآخر ومن ثقافة الى أخرى، فالمجتمعات بتكوينها الثقافي والديني والحضاري تحدد عددا من المميزات على أنها خاصة بالمرأة أو خاصة بالرجل، وعددا من الأنشطة على أنها ملائمة للمرأة أو ملائمة للرجل، وكذلك عدد من القواعد التي ترسم إطار العلاقات بين النساء والرجال، وبالتالي تكون ظروف الحياة اليومية للمرأة والرجل ، والموقف النسبي لكل واحد منهما داخل مجتمعه مطوقة بأحكام الأطر والمؤسسات الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية.
وعلى الرغم من أن الخطاب النسوي اللبرالي خلال الموجتين النسويتين الاولى والثانية قد بدا معتدلا من خلال المطالبة بالمساواة بين الرجل والمرأة وإلغاء كافة أشكال التمييز الواقع على المرأة ومنحها حرية الانتخاب والتعليم والمساواة في فرص العمل والاجور، إلا ان الموجة الثالثة أو ما يسمى ب (ما بعد النسوية) قد فسرت دونية المرأة بتركيبة المجتمع البطريركية الابوية وعليه فإن التغيير لن يتم إلا بهدم النظام الأبوي جذريا، ولهذا فإن الخطاب الراديكالي النسوي قد بدأ ينحرف نحو مطالبات مرفوضة اخلاقيا فظهرت السحاقيات اللواتي يطالبن بالابتعاد عن عالم الرجل ويرفضن استغلال جسد المرأة من قبله وينادين بضرورة تشكيل مجتمعات خاصة بالنساء، ورفض سيطرة الأسرة التي اعتبرنها مدخلا لتكريس ضعف المرأة وأصبحت المطالبات منصبة على حق المرأة بالاجهاض ورفض الحمل حيث اعتبرن الحمل هو وسيلة اذلال المرأة، ولذلك طالبن بثورة بيولوجية تلغي الفروق بين الجنسين، وبدات الموضة الخاصة بالتعري والاباحية الجنسية والتباهي بلبس الأزياء الفاضحة ورفض كل المعايير المجتمعية التي تضع اطرا عامة ومحددة بين الرجال والنساء، وقد بدت تلك المطالبات متناقضة احيانا ولا تنطلق من منطلق فكري واضح ومحدد في أحايين أخرى.