دولة الإنتاج وحماية الإنتاج

تم نشره السبت 01st كانون الأوّل / ديسمبر 2018 12:27 صباحاً
دولة الإنتاج وحماية الإنتاج
د.باسم الطويسي

حالة الشد والجذب حول قانون الضريبة بين المؤسسات الدستورية قد تكون صحية في بعض جوانبها، ولكن حينما تتباين الأطروحات في تفسير المصالح الوطنية إلى درجة يبدو المجتمع مشدوها غير قادر على تمييز مفهوم الصالح العام، أو حينما نشرع بما يناقض السياسات العامة المعلنة تصبح هناك مشكلة في قدرة هذه المؤسسات على تقدير الصالح العام والتعامل معه وهو من أخطر ما قد يصيب الحياة السياسية ؛ وهذا ما يحدث هذه الأيام في التجاذب الرسمي حول نسبة الضريبة على الصناعة حيث تتباين بشكل واضح رؤية كل من الحكومة من جهة ومجلس النواب من جهة ثانية ومجلس الأعيان من جهة ثالثة.
المسألة الراهنة تتجاوز رفع مجلس الأعيان ضريبة الدخل على الصناعة من14 % إلى 20 % وإضافة ضريبة جديدة على الأرباح للشركات العامة المساهمة، كما أنها تتجاوز مسألة 100 مليون دينار وهو الفرق في الدخل الحكومي المتوقع بعد التعديلات التي أدخلها النواب ؛ بل تصل إلى فكرة؛ هل مؤسسات الدولة تقرأ من صفحة واحدة للمصالح الوطنية الكبرى أم أن لكل منها كتابا؛ ففي الوقت الذي يدعو فيه جلالة الملك بوضوح إلى بناء دولة الانتاج ويتشكل إجماع وطني عميق على الاستعداد المجتمعي لتحمل كلف الاعتماد على الذات وتبدأ الحكومة بتحويل هذه الرؤية إلى برامج عمل نجد أن السلطات الدستورية تفتقد أحيانا المسطرة الضابطة لهذا التحول المطلوب.
لقد شهدت البلاد في العقدين الأخيرين حالة من عدم الاستقرار التشريعي في الشؤون الاقتصادية ما خلق حالة وصفت بأنها أقرب إلى اللايقين التشريعي والاقتصادي، وهي بالتأكيد تربة غير صالحة لاستنبات دولة الانتاج المرغوبة ؛ فالاستقرار التشريعي في الشأن الاقتصادي يعني تماما الاستقرار الاجتماعي وبالتالي السياسي ولا يمكن التعامل معه بهذا الشكل من التجاذب .
في حين لا يمكن المضي قدما في نهج الاعتماد على الذات دون دعم حقيقي للصناعة وتوزيع مراكز الانتاج على مختلف الأقاليم وخلق تنوع حقيقي في الإنتاج ؛ فالقطاع الصناعي اليوم يشكل أكبر مشغل في القطاع الخاص وهو مؤهل أن يضاعف قدرته في استيعاب القوى العاملة خلال عشر سنوات إذا ما وجد بيئة ملائمة .
لا شك أن الصناعة تشكل العمود الفقري لفكرة دولة الانتاج، ولكن هذا لا يعني أن يبقى هذا القطاع مدللا وبدون إنتاج حقيقي، المسألة المستعجلة التي يتطلب من الحكومة وإلى جانبها السلطات الدستورية أن تخرج بحزمة تشريعات وإجراءات تدعم بالفعل التحول إلى دولة الإنتاج من خلال المزيد من الدعم لمختلف مدخلات الإنتاج والزراعة والصناعة وضريبة تصاعدية ومحدودة على الأرباح الإنتاجية .
دولة الإتاج في سياق الخطاب الملكي تعني العمل على خلق تحول اجتماعي ثقافي واقتصادي في اتجاهات الأردنيين؛ في رؤيتهم لأنفسهم وفي رؤيتهم للمستقبل، وفي الطريقة التي يجب أن تعيد الدولة تشكيل توقعات الناس، وبأن ثمة أملا بالاعتماد على الذات، وإعادة تأسيس القدرات الوطنية والانطلاق بها من قاعدة التنافسية، وأن لا مكان في هذا العالم إلا بالإنتاج والتراكم والتميز.
إن تسييل "ثقافة صناعة الفرص والاعتماد على الذات" وتحويلها إلى قاعدة اجتماعية صلبة لا يعني أننا نحتاج إلى عملية تاريخية طويلة حتى نحدث التحولات المطلوبة ولا إلى حرق المراحل، إن قفزات التحديث المعاصرة تعلمنا أنه إذا كانت المجتمعات في النصف الثاني من القرن العشرين قد احتاجت الى أربعة أو خمسة عقود كي تحقق شروط التحديث وبناء قاعدة إنتاجية صلبة فإن المجتمعات المعاصرة يمكن أن تحقق نفس الإنجاز بقفزة واحدة خلال أقل من عقد، ولكن استمرار حالات عدم الاستقرار في التشريعات الاقتصادية وغياب رؤية وطنية جامعة حول منهج الاعتماد على الذات سوف يطيل عملية الانتقال وسيضعها في مهب الريح .

الغد - السبت 1-12-2018



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات