الحسین فعبدالله الثاني

تم نشره الثلاثاء 12 شباط / فبراير 2019 12:35 صباحاً
الحسین فعبدالله الثاني
جواد العناني

لا یمكن أن تمحى من الذاكرة تلك اللحظات. خرجت الملكة نور لتقول ”خلاص. مات الحسین“. كانت الساعة تقارب الحادیة عشرة صباحا في مدینة الحسین الطبیة. وبعد نصف ساعة رافقتھا إلى تجمع الصحفیین حتى أخبرتھم أن حبیبھم، وملیكھم، ورجل المواقف، والھمة والبناء، والسماحة، والعقل، والقلوب قد انتقل إلى الرفیق الأعلى. وقد بذلت جلالتھا آنذاك جھدا كبیرا لتحافظ على ھدوئھا. وصارت تعزي الناس بھ لأنھا تعلم أن مصابھا مصابھم. تلك لحظات لا تُنسى. كیف یستبق الناس الحدث، ویعلمون أنھ واقع لا محالة، وأن القضیة لیست عما إذا كان المصاب سیقع، ولكن متى؟ ولكنھ عندما یحصل، وتنطفئ آخر ومضة أمل بأن ما یخشون حصولھ ربما لا یحصل، تجدھم یخرون من شدة الألم وكأنھ جاء في غفلة عنھم. ولقد شاھدت الشریط الذي سجلھ صاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني مخاطبا الشعب الأردني بمناسبة مرور عشرین سنة على وفاة الحسین العظیم. وبدا واضحا أن جلالتھ حزین كأن الأمر حدث یوم أمس، وكأن العشرین سنة قد اختزلت كلھا في لحظة مدویة. لقد خرجت الكلمات والعبارات من قلبھ، ومن صمیم حنایاه حارة لیذكر الشعب الأردني أن والده صاحب شعار ”الإنسان أغلى ما نملك“ ما یزال حیا ونابضا، ویشكل نبراسا نحملھ على طول الدرب. ولا أرید أن اخرج عن الحالة الشاعریة التي أعیشھا، ولكن الإنسان أغلى ما نملك لیس شعارا، وإنما نھج، واقتصاد، وكرامة، وطریقة عیش، ومحور العقد الاجتماعي، وضمان الرفاه القائم على الإنتاج والعمل، والذود عن الوطن، والتصدي لتحدیاتھ والبناء علیھا. ولعل من أھم الاقتباسات التي تتداولھا منصات الإعلام الدولیة من إرث الراحل العظیم فقرة ُ وجدت فیھا عمقا وإنسانیة تخترقان الحشایا والذاكرة. ”علینا أن نواجھ الواقع، ونعترف بأخطائنا بأسلوب أمین وراشد. والتفاخر بالمجد لا یحقق المجد، والغناء في العتمة لا یطرد الخوف“. وقد ترجمت ھذه الجملة عن مصدر باللغة الإنجلیزیة. ولكنھا قراءة حصیفة في سیاسة الحیاة. والنقد

الذاتي، والعودة إلى جادة الصواب، والتعامل مع الواقع بحكمة لا بالأوھام، ھو ما نحن أحوج إلیھ الآن من وقت مضى. وأتذكر جلساتي مع الحسین العظیم، لما كان یتلقى العلاج في ”مایو كلینیك“ بولایة مینیسوتا الامیركیة. في تلك اللحظات تتجلى الطبیعة الحقیقیة للإنسان، وتكتشف معدنھ الأصیل وھو ّ یصارع المرض الخطیر. قال لي متسائلا ذات مرة ”وكیف الأھل والعشیرة في عمان والأردن؟ إن شاء الله الأمور بخیر؟“ فقلت لھ یا سیدي الأمور بخیر طالما أنتم بخیر. وسأل وما ھي أخبار القدس والأقصى؟ قلت لھ یا سیدي أنت الوصي عن آل ھاشم في المسجد والصخرة والساحات. وحراس الأقصى الذین زرتھم ھنالك یدعون لكم بالشفاء العاجل“. وسألني ما أخبار حراس الأقصى أولئك الرجال؟ قلت لھ یا سیدي یدعون لكم. وھم على ما عھدتھم واضحو الرؤیة. یقولون لي انتم السیاسیون افعلوا ما تریدون، فھذا عملكم. أما نحن فلیس أمامنا إلا أن نرقى إلى الشرف الذي منحناه بحراسة ھذه البقعة المباركة، وطالما أن ھؤلاء (یقصدون الإسرائیلیین) یریدون أخذه منا، فھم أعداؤنا“، لا نفھم إلا ھذه الحقائق. فقال جلالتھ رحمھ الله إنھم صادقون. إن التاریخ سیسجل أن القدس احتلت ایامي“. وابتسم ّ ابتسامة لن أنساھا طول عمري فقد كانت تعبر عما یجیش في نفسھ. أرید أن أحیا إلى زمن تنقذ فیھ القدس الشریف من الاحتلال. ولما أسمع في كلمة الملك عبدالله الثاني الرثائیة نفس الحدیث عن السلام، واستعادة الارض، ُ والقدس، ونیل الفلسطینیین حقھم المشروع، وقولھ بأن لا سلام في الشرق الأوسط بدون حل عادل لتلك القضیة العادلة، أطمئن أننا على الدرب سائرون. لقد احتفل الأردن یوم 30/ 1 بعید میلاد جلالة الملك عبدالله السابع والخمسین، ویوم – السابع من شباط (فبرایر) مازج الحزن بوفاة ملك وتولي ملك جدید سلطاتھ الدستوریة. فتخالجنا الحیرة. ھل نحزن لموت ملك عرفناه ملكا عادلا سمحا كریما لمدة سبعة وأربعین عاما؟ أم نفرح بملك شاب جدید یسعى لأن یبقى الأردن بلدا صامدا متطورا إنسانیا یقوم على الإنسان ویعمل للإنسان، رغم الصعاب والشدائد؟ أقول ھكذا نحن البشر، تعلمنا الحیاة أن مع العسر یسرا، وأن مع الظلمة فجرا، وان الله یخلق الحي من المیت، ویخلق المیت من الحي، ویولج اللیل في النھار، ویولج النھار في اللیل. نحن ُسننھ، وبأن الله علام الغیوب. ولكن طالما أننا متفیئون بعرش آل ھاشم، فنحن ِ قوم نؤمن با، وب بإذن الله سنبقى واحة أمان، وقلعة عربیة صامدة، ومصدر إشعاع فكري إنساني. ُ ورحم الله الحسین وأطال عمر عبدالله الثان.

الغد - الثلاثاء 12-2-2019



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات