الإدارة الأردنية…نجاح وإخفاقات

تم نشره الثلاثاء 12 شباط / فبراير 2019 12:43 صباحاً
الإدارة الأردنية…نجاح وإخفاقات
د.صبري ربيحات

بعیدا عن جوائز التمیز والاشادات التي یتھافت علیھا المدراء والحوافز التي یتسابق الجمیع لنیلھا كانت الادارة العامة الأردنیة تعمل بكفاءة عالیة وفعالیة عز نظیرھا . الكثیر من الاسس والقیم والمعاییر تم ارساؤھا قبل ظھور تقنیات العروض المنمقة واستعراض الاستراتیجیات التي لا تطبق وشاشات العرض لنسب الانجاز التي یستعان بھا لصناعة الصورة الذھنیة عن المؤسسات واحداث التأثیر على احكام لجان التقییم والرؤساء. الكثیر من مدراء الماضي لم یكتبوا سیرة ذاتیة ولا تقریرا للحصول على جائزة رفیعة فقد كانوا یدیرون اعمالھم بمنھج تتداخل فیھ القیم مع المعرفة والاخلاص مع حب الوطن والایمان بالدور والمھمة مع الحرص على السمعة . الیوم رحل الكثیر من ھؤلاء الرجال لكن آثارھم باقیة وستظل منارات ھادیة على جدار الزمن. من الصعب ان یرد ذكر الجمارك الأردنیة دون أن یخطر بالبال مسیرة یاسین الكاید الذي تعرض لمحاولة قتل في ثمانینیات القرن الماضي وھو على رأس عملھ مدیرا للجمارك. ولا أحد یستطیع مھما حاول أن یتناسى مسیرة الحاج ممدوح الصرایرة الذي ادار الجمارك بمھارة وحكمة في ستینیات وسبعینیات القرن الماضي و في ظروف امنیة صعبة لیصبح اسمھ مقرونا بأسماء الوزراء والساسة في ذلك الزمان. لاكثر من احد عشر عاما كان محمد عودة القرعان ایقونة للبیروقراطیة بمعناھا الإیجابي حیث تنتفي الواسطة والمحسوبیة ویكرس المدیر جل وقتھ لیبث في اوصال الدائرة قیم الامانة والعدل والالتزام فاستحق ان یطلق علیھ الراحل المرحوم جلالة الملك الحسین لقب امین الامة . لقد حرص القرعان على كل فلس للدولة واشاع بین كوادر الادارة الأردنیة صورة المدیر بصفتھ مواطن یضع قدراتھ ومواھبھ في خدمة الأمة. ھذه القیم ینبغي ألا تغیب عن المشھد ونحن نتابع القصص والتسریبات التي لازمت اكتشاف قضیة الدخان وما دار حول شخوصھا من قصص وظنون واتھامات. فالمؤسسة لیست شخصا

وانما تاریخ وتشریعات وانجاز علینا جمیعا أن نتجنب محاكمتھا ونحن نحاكم الاشخاص ایا كانت مواقعھم وخطایاھم. فالاوطان تولد قبل الاشخاص والافراد یرحلون وتبقى الدیار ویتجدد رجالاتھا. منذ تأسیسھا عام 1922 كانت الجمارك إحدى اھم المؤسسات التي تجسد سیادة الدولة وتحمي الاقتصاد وتحافظ على الامن . في مختلف المدن والقرى الأردنیة كانت وظیفة الرقیب الجمركي محط انظار الشباب الذین لا تتضمن خططھم الالتحاق بالجامعات ففي الزي الموحد للرقباء والاشارات المعدنیة على اكتافھم دلالات وسلطة لا یجدونھا في الوظائف المتوسطة الاخرى. الجمارك كانت واحدة من الدوائر القلیلة التي تمنح العاملین فیھا حوافز شھریة یجري اقتطاعھا من مخالفات التھریب وتوزع حسب معادلة ضمن البند الذي جرى التعارف على تسمیتھ “ المساعي“. للعمل في دائرة الجمارك والمكوس میزات مھمة كثیرة لیس اقلھا أنھا تتیح للعاملین حمل السلاح الفردي في الفضاءات العامة والتعرف على المستوردین والمصدرین وامتلاك سلطة الرقابة والتفتیش والوقوف على الجانب المعني بإنفاذ القانون. من عبدالسلام كمال الذي تولى ادارة الجمارك والمكوس والاحصاء العام وحتى اللواء الرحامنة الذي یدیرھا الیوم تقلب على ادارة المؤسسة 22 مدیرا وعرفت مبانیھا وسجلاتھا وذاكرتھا صورا وسیرا لآلاف الرجال والنساء ممن خدموا اھدافھا ورسالتھا وتنقلوا بین نقاط الحدود ولاحقوا المھربین في الصحاري والاودیة والقیعان ورصدوا تحركاتھم في المراعي والموانئ والمطارات فشھد لھم العالم بالخبرة والدرایة والمھارة. البنیة الاساسیة للمؤسسة اسسھا خبیران بریطانیان ادارا المؤسسة في العشرینیات وحتى نھایة الاربعینیات من القرن الماضي. فقد تمكن كل من السید تیرنر ولیفنجستون من صیاغة وتصمیم نماذج البیانات للسلع ودربوا طلائع العاملین على وسائل المعاینة والتدقیق وغرسوا في المكان قیم العمل المھني الجاد وروح المنافسة على اداء العمل بجدارة واقتدار في العقود والسنوات التي اعقبت تاسیس الجمارك جرى تطویر تشریعاتھا بما یتماشى مع النمو الاقتصادي الذي بدت بواكیره خلال الاربعینیات خصوصا بعد أن اصدرت الحكومة البریطانیة قرارا بتموین جیوش الحلفاء من المنطقة وحصل الكثیر من اوائل التجار على وكالات الاستیراد ورخص التصدیر. الكثیر من العاملین الیوم یسمعون بقصص الكومسیون والاكرامیات والفساد والعزل بھدف الاخلاء والاحالة على التقاعد خدمة لرغبة زبون لكنھم لا یعرفون الكثیر عن السمعة العطرة لقدامى مدراء ورجالات المؤسسة العریقة التي رفدت الاقتصاد بالاموال وحمت المنتجات الوطنیة وادارت النشاطات التجاریة حسب ارفع الاسس والمعاییر الدولیة دون الحصول على اوسمة وجوائز وترقیات. على الموقع الالكتروني للجمارك العامة الیوم صور وسیر للمدراء الثمانیة الذین تولوا الاداراة في العقدین الاخیرین لكنھ یخلو من سیر الرجالات والرموز الذین عملوا على تكریس اسمى قیم الامانة والشجاعة والعدل وتركوا ارثا مھنیا واخلاقیا ووطنیا یمكن التأسیس علیھ.

الغد - الاثنين -11-2-2019



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات