غياب سالم الذي يذكرنا بزمن آخر

تم نشره الجمعة 18 شباط / فبراير 2011 03:13 صباحاً
غياب سالم الذي يذكرنا بزمن آخر
راكان المجالي

 عندما كتبت قبل اسبوعين عن الصديق الروائي والمفكر والسياسي الفقيد سالم النحاس قلت انك عندما تفقد صديقا حميما ارتبطت حياتكما معا في مرحلة من العمر فانك تحس انك دفنت معه جزءا من حياتك ، وعندما ذكرت العديد من الاسماء التي رافقتنا في تجربة اصدار جريدة الاخبار اليومية المميزة التي كنت رئيسا لتحريرها فانني قلت ان هنالك عشرات الصحفيين المفكرين المبدعين اسهموا معنا لا تتسع لذكر اسماء هؤلاء صفحة جريدة فيما كنت اسميه "تطيير الجبل" وبدون مبالغة فان اصدارك لجريدة يومية ناجحة ومؤثرة يحتاج الى جهود خارقة تعدل "تطيير الجبل".

لقد ذكرت في المقال السابق اسماء اكثر من 30 صحافيا ومفكرا ومبدعا ممن كانوا في كتيبة الاخبار وكان هنالك غيرهم كثير وعلى سبيل المثال فان الروائي المميز الياس فركوح كان دؤوبا وفعالا ومبدعا في الجانب الثقافي وقد اعتقد البعض انني تعمدت اغفال اسماء زملاء وكتاب كبار من سوريا بينما اوردت العديدين من مصر ولبنان ، لقد كان معنا في الاخبار حينها ابرز من كتب قصة قصيرة بالعربية ومقالا ناقدا وساخرا المبدع زكريا تامر ، وكذلك الرافض الغاضب ابدا الساخر والساحر محمد الماغوط وكان زكريا تامر ومحمد الماغوط يكتب كل منهما زاوية يومية في الصفحة الاخيرة في الاخبار وكانت اجواء عمان تعجب زكريا تامر وتشده ولذلك كان يقضي معنا اوقاتا طويلة بينما الماغوط كان في مرحلة يتثاقل فيها من السفر وكنا نراه في دمشق بشكل خاطف بين حين واخر لكن في فترة الاعداد لاصدار الاخبار كنت امضي اوقاتا اطول في دمشق وبيروت والقاهرة.. وبالتأكيد نذكر اخوانا من سوريا آزرونا مثل الشاعرين ممدوح عدوان وعلي الجندي والمثقفة ناديا خوست وغيرهم من زوار الحركة الصحفية والفكرية في سوريا.

وعندما ذكرت في المقال السابق اسماء العديد من اخواننا من مصر ومن لبنان الذين عملوا او تعاونوا معا ولم اذكر اخواني من سوريا فان ذلك كان سهوا غير مقصود.

نعود الى سالم النحاس الذي فاتني ان اقول في مقالي السابق ان علاقتي معه تعززت من خلال الصديق الشاعر تيسير السبول صاحب اعلى درجة شحنة حيميمة في العلاقات الانسانية الى حد انك تحس انه يحاصرك وكان هنالك جانب عاطفي وحماسي في تيسير يتمثل بانه يفجر احتفالية عندما يتعرف على اي مبدع جديد وحتى ولو كنت تعرف انت هذا المبدع سابقا فانه يعيد انتاج صورته ويقدمه باعجاب ويبدأ عمليات حفريات فكرية ونفسية في شخصية هذا الوافد الجديد،.

هكذا تعرفت اكثر على سالم بعيون تيسير وعندما صدرت الاخبار كان تيسير قد انتحر في 15 تشرين الثاني ، اي قبل صدور الاخبار بحوالي عامين ، واعتقد انه لو لم يغب فانه لم يكن معنيا لا من قريب ولا من بعيد بالعمل الصحفي لكنه كان يحب اجواء الصحافة خاصة اذا كانت صاخبة باصوات الصحفيين والمفكرين والمبدعين دون ان يكون مؤطرا فيها ، وعندما "طيرنا الجبل" قبل 1967 باصدار جريدة القدس وكنت يومها في اوائل العشرينات من عمري كان فيلق من المهتمين بالكتابة والصحافة والثقافة قد فزعوا معي في ظل ظرف كان الجو السياسي صعبا ومشحونا وكانت هنالك مقاومة لدمج الصحف يومها وخاصة اصدار جريدة القدس في القدس لكن كان كل من يمثل الخط القومي واليساري يومها من الكتاب آزرنا ونجحنا يومها في "تطيير الجبل" الا ان تيسير نأى بنفسه عنا وكان صريحا بالجهر انه لا يجب الصحافة.

وعندما "طيرنا الجبل" في العام 1971 باصدار الرأي في الظروف الصعبة والمرتبكة بعد ايلول 1970 واستمرار التوتر الى وقت صدور الجريدة وكان تيسير غاية في السعادة اصدار جريدة جديدة ولكنه لم يقترب منها الا بزياراته ومداهماته لنا في اي وقت

واقتنع اخيرا ان يكتب مقالا صحفيا في اواخر ايامه لكن الامر لم يرق كثيرا له وكان على الارجح على سبيل المجاملة.

ما اود قوله ان النجاح تصبغه المحبة والريادة الجماعية كما ان تواصل ابناء الامة في ذلك الزمن كان متدفقا في كل العواصم العربية بما فيها عمان آنذاك ، وفي العمل الصحفي كما في العمل النقابي كانت هنالك مواقف وكانت نقابة الصحفيين ابتداء من العام 1977 رافعة اساسية للمهنة وللعمل العام في الاردن ولا اقول هذا لانني كنت النقيب لست دورات لان هذا كان طبيعيا فهي الاقرب من النقابات المهنية للعمل العام خاصة في القضايا المصيرية ، واستطعنا ان نقوم بدور مؤثر لنقل اتحاد الصحفيين العرب من القاهرة الى بغداد وما ترتب عليه من حيوية وحوارات مع كل الاتحادات الصحفية في كافة ارجاء العالم وفي عواصم الدنيا المختلفة في اوروبا وافريقيا وامريكا اللاتينية و.. و..

وبالتأكيد فانني لا اقصد التأريخ لمرحلة ولكن مجرد اشارة لمرحلة كانت ملهمة لفقيدنا سالم النحاس وكانت غنية بوقائعها واشخاصها رغم كل ما فيها من مرارات. ولعل الماغوط هو خير من عبر ببراعة عن الخيبة والمرارة التي عاشها الانسان العربي يومها المثقل بالاحزان والنكسات والهزائم والاحباطات وهو ما عكسته مسرحياته الساخرة مع دريد لحام وغيره او ما حمله شعره ومنه هذا المقطع:

نحن الجائعون أمام حقولنا...

المرتبكين أمام أطفالنا

المطأطئين أمام اعلامنا...

الوافدين أمام سفاراتنا..

نحن.. الذين لا وزن لهم إلا في الطائرات

نحن وبر السجادة البشرية التي تفرش أمام الغادي والرائح في هذه المنطقة..

ماذا نفعل عند هؤلاء العرب من المحيط إلى الخليج؟

لقد أعطونا الساعات... وأخذوا الزمن...

أعطونا الأحذية... واخذوا الطرقات...

أعطونا البرلمانات... وأخذوا الحرية...

أعطونا العطر والخواتم... وأخذوا الحب..

أعطونا الأراجيح... وأخذوا الأعياد...

أعطونا الحليب المجفف... واخذوا الطفولة...

أعطونا السماد الكيماوي... واخذوا الربيع...

أعطونا الجوامع والكنائس... وأخذوا الإيمان...

أعطونا الحراس والأقفال... وأخذوا الأمان...

أعطونا الثوار... وأخذوا الثورة...

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات