لوخيتك والجسر!

تقرأ مئات التعليقات يومياً على بعض المواقع الالكترونية ، وعلى صفحات التواصل الاجتماعي ، ويفيض بعضها بالاقليمية ، على ضفتي النهر.
التعليقات التي يتخفى اصحابها لجبنهم ، تعكس مشاعر كراهية عند نفر قليل من المعلقين ، وتؤشر ايضاً على انقسامات افقية وعامودية ، وتؤكد ايضاً حجم التراشق الاقليمي بين الناس ، وهو تراشق له اسبابه السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
كل هذا يحدث في عالم الانترنت ، الذي بات يسّهل كل شيء ، ورمي ماء النار ، على وجوه الناس ، وهو سلوك نراه في المجالس المغلقة ، ويخرج برأسه الماحاً بطرق مختلفة ، حتى يتوقف قلبك عن الخفقان ، خوفاً على الناس من شتى اصولهم.
تأسست هذه التعبيرات الاقليمية ، على مدى سنين طويلة ، وباتت متداولة سراً وعلناً ، وتحظى بتغذية مدروسة ، ولا كأن الناس ابناء امة واحدة ، وينتسبون الى شرف واحد ، هو شرف العروبة والاسلام ، فيتطاحن الجهلة بكلام غبي حقاً ، لا يقبله عاقل او متزن.
نقرأ في التعليقات كلام من قبيل.. "اذ مش عاجبك الاردن احمل ملوخيتك وانزل ع الجسر يا معفن" ، ويقول آخر من ذات فصيل المعلقين "هل يمكن تشريب المنسف بالملوخية ، بدلا من الجميد هذا مستحيل" ، ويقال هذا في معرض الكلام عن استحالة الوحدة الوطنية كما استحالة تشريب المنسف بالملوخية ، ويخرج ثالث ويقول "اجيتوا على الاردن بفرشة ولحاف ، وسكنتوا الفلل وبعتوا فلسطين"،،.
يرد آخرون من فصيل آخر بتعليقات منها.. "ليش بتسب على المخيم ، المخيم اللي عمل منك رجل يا اجرب" ويخرج آخر من ذات الفصيل ليقول "لولا الملوخية كان انتو ولا اشي لحد اليوم" ، ويخرج ثالث ويقول "شاطرين بس ببيع الاراضي ، وشراء السيارات تحت عنوان بيع دونمين واشتري مرسيدس 200 ، شاطرين بس بالمظاهرات لاجل خفض سعر السكر"،،.
تتناسل التعليقات الاقليمية بين مجموعتين من المعلقين ، كل واحد له مفرداته ومصطلحاته ، وكأن هذا العالم السري اتيح له الخروج عبر هذه المهاترات ، حتى انك تحزن بشدة امام ابناء امة واحدة وشعب واحد يتراشقون بمثل هذا الكلام ، فيما اسرائيل تريد جز عنق المنطقة كلها ، ولربما ترحيل كل اهلها ، في شاحنة واحدة ، الى صحارى افريقيا.
هذا على الرغم من ان الواقع الاجتماعي والدم والنسب والحياة والتاريخ والجغرافيا ، كلها لا تعكس هذا المستوى المنحدر من التعليقات من نوعين محددين من المعلقين المرضى الذين يتنابزون بالالقاب وبالكلام التافه الذي لاقيمة له ، باعتباره دليل وطنية،.
التعليقات الموقعة بأسماء مستعارة ، تستحق ان تتم دراستها ، وان تكون بحثاً مطولا لاي اكاديمي متخصص ، يقرأ خلفها الشعور الجمعي والفردي ، وكيف يشكل كل انسان صورة انسان آخر ، وما هي الصور الانطباعية المتداولة وعلى اي اساس تم تشكيلها؟.
مشكلة المعلقين المجهولين من النوعين ، انهم والحمد لله ، لا يقدرون على تغيير التاريخ والجغرافيا ، لان الاردن وفلسطين ، متجاوران ، منذ الاف السنين ، وسيبقيان ، كذلك ، على المستوى والجغرافي والشعبي.
لعل المفارقة ان وعد الله بتحرير فلسطين وردها الى عروبتها سيكون فعلياً عبر الاردن أرض الحشد والرباط ، فلا خلاص لهؤلاء من هؤلاء ، ولا فكاك لهؤلاء من هؤلاء ، حتى لو شدوا شعور رؤوسهم في الشوارع.
ثم اين القيم الربانية ، التي يتناساها صاحب شعار "ملوخيتك والجسر يا معفن" ، ويتناساها صاحب شعار "لولا المخيم كان انت ولا اشي يا أجرب"؟،، جاهلية اشد من الاولى واسوأ بكل المعاني،.
قال تعالى (مُّحَمَّدّ رَّسُولُ اللَّهً وَالَّذًينَ مَعَهُ أَشًدَّاء عَلَى الْكُفَّارً رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مًّنَ اللَّهً وَرًضْوَاناً). والاية من سورة الفتح تحدد صفة اصحاب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عبر الزمن ، وتضع الشرط والاشتراط للانتساب الى صحبته.
عشنا حتى رأينا من ينقلبون على الصلة الروحية والاخلاقية برسول الله ، فيصبحون اشداء على بعضهم ، ورحماء على غيرهم ، ويدعون الوصل به في صلاتهم وصيامهم ، وكل اركان الدين ، لكنهم ابعد ما يكونون عنه.
عذرا واعتذاراً بين يديك يارسول الله.
(الدستور)