«دولة واحدة بنظامين» بدل «حل الدولتين»

تم نشره الثلاثاء 05 آذار / مارس 2019 12:45 صباحاً
«دولة واحدة بنظامين» بدل «حل الدولتين»
عريب الرنتاوي

يعود القرار بتأسيس القنصلية الأمريكية في القدس إلى الرئيس الأمريكي العاشر جون تايلر، عام 1944، قبل أزيد من نصف قرن على مؤتمر بازل في سويسرا، وحين كانت الحركة الصهيونية فكرة جنينية، وكانت وجهتها غير محددة، من القرم إلى أوغندا، مروراً بفلسطين، وقد بدأت القنصلية أعمالها في المدينة (باب الخليل) بعد سنوات من قرار الرئيس الأمريكي، وظلت مستمرة في أعمالها حتى الأمس، عندما جرى إغلاقها، وتحويلها إلى غرفة (ملحق) في السفارة الأمريكية التي تم نقلها بالضد من القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ومرجعيات عملية السلام، ومن جانب واحد، من تل أبيب إلى القدس.
منذ أن أعلنت الإدارات الأمريكية المتعاقبة، ديمقراطية وجمهورية، قبولها بـ»حل الدولتين» وتأييدها لإقامة دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة، وموافقها على قرار مجلس الأمن 1515 لسنة 2003، والذي نص على قيام دولة فلسطينية بحلول العام 2005، وقبله القرار 1397 ومن بعده القرار 2334 بشأن الاستيطان والتمييز والتغيير السكاني، وجميعها قرارات صدرت بموافقة واشنطن أو امتناعها عن التصويت، كان المنطقي انتظار تحول القنصلية إلى سفارة، وتبادل الاعتراف بين الولايات المتحدة ودولة فلسطين ... لكن دونالد ترامب وإدارته، قطعت طريق تطور الموقف الأمريكي، وأحدثت استدارة كاملة في اتجاه ووجهة السياسة الأمريكية حيال الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.
في ظني أن الهبوط بالتمثيل الدبلوماسي الأمريكي، بدل الارتقاء به، وتحويل القنصلية، إلى مجرد غرفة، هي إشارة واحدة إلى شكل «الكيان الفلسطيني» الذي تقترحه الولايات المتحدة على الفلسطينيين، وهو كيان لا يرقى إلى مستوى الدولة، ويندرج في إطار حكم ذاتي محدود، ولا تتعدى وظائفه نطاق «الحراسة» و»الكناسة»، حراسة المستوطنات والمستوطنين، وخدمات بلدية موسعة على أبعد تقدير ... مثل هذا الكيان، لا يحتاج لسفارة، وربما لا يحتاج لقنصلية، غرفة أو ملحق في سفارة واشنطن في القدس، تكفي لأداء الغرض، وتبدو كفيلة بوضع الأمور في نصابها.
يتقاطع القرار الأمريكي هذا، مع مفهوم جارد كوشنير للكيان الفلسطيني العتيد المُرتجى ... فهو تجنب ذكر الدولة في وصفه لهذا الكيان، ولم يدرجه في إطار ممارسة حق تقرير المصير، بل اكتفى بحديث مقتضب عن «ترسيم للحدود» بين هذا الكيان ودولة الاحتلال، توطئة لإزالتها ... الأمر الذي يثير مخاوف مشروع «حل الدولتين» قد بات «وراء ظهورنا»، وأن صهر الرئيس ربما يريد استعارة نموذج العلاقة بين الصين وهونغ كونغ، (القياس مع الفارق)، أي «دولة واحدة بنظامين»، سيما وأن الرجل يولي اهتماماً بـ»السلام الاقتصادي» كما لم يفعل مسؤول أمريكي من قبله، وهي بنى مبادرة إدارته، على قاعدة مقايضة المال بالحقوق، ونظرية «شراء الأدوار والتسهيلات» بالمال أو بالمزيد منه.
هونغ كونغ جزء من الدولة الصينية، بنظام خاص (دولة واحدة بنظامين)، لا سيادة لها ولا تمثيل دبلوماسي، تصدر جوازات سفر خاصة بها لمواطنيها والصينيين المقيمين إقامة دائمة فيها ... هل هذا ما دار في خلد كوشنير وما فكر به عند صياغة في «صفقة القرن»؟ إسرائيل الدولة صاحبة الأرض والسيادة، والفلسطينيون المقيمون يتمتعون بـ»نظام خاص»، يمكِّنهم من انتخاب مؤسساتهم وإصدار جوازات سفرهم، حفظاً ليهودية الدولة ونقائها، وليس خدمة للفلسطينيين ... وأن للمعازل التي يعيشون فيها حدوداً جغرافية متحركة، تتناقص ولا تتزايد، ولسكان هذه المعازل الحق في الحركة والتنقل والعمل في المستوطنات الإسرائيلية ومدن التطوير الإسرائيلية كثيفة التكنولوجيا، أو الانتقال داخل الخط الأخضر.
إن كانت هذه هي حدود «الكيان الفلسطيني»، فهو ليس بحاجة لسفارة أو حتى لقنصلية عامة، غرفة واحدة ملحقة بالسفارة تكفي ... الموقف الأمريكي هذا منسجم أشد الانسجام مع نصوص وروح مبادرة كوشنير – جرينبلات، كما جرى تسريب بعض من محاورها مؤخراً... لا أحد عليه أن يتفاجأ، ولا أحد يتعين عليه أن يصاب بالصدمة.

الدستور - الثلاثاء 5-3-2019



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات