تجريب المُجرب

تم نشره السبت 19 شباط / فبراير 2011 12:48 صباحاً
تجريب المُجرب
عريب الرنتاوي

سنأخذ بما تقوله أجهزة الإعلام الرسمي العربية ، وسنمسك عن استخدام وصف "البلطجية" الذي تطلقه المعارضات العربية على "المتظاهرين المؤيدين أو الموالين" للنظم والحكومات ، وسنكتفي بوصف "أدوات التعبير عن الرأي" التي يستخدمها هؤلاء وأولئك.

أمس ، جاب أربعة ملايين متظاهر شوارع القاهرة وميدان التحرير ، لم تُسجل حادثة واحدة ، لم يُكسر "لوح زجاج واحد" ، لم يُصب أحدّ بأي خدش...الجموع المليونية جاءت وطافت وصلت وغادرت ، بكل مدنية وتحضر وسلام...لم يرفع أي منهم عصا أو أمسك بحجر أو أشهر سيفاً ، رفعوا الإعلام واليافطات ، أطلقوا حناجرهم تصدح بالهتافات والأغاني والأناشيد الوطنية.

هذه الصورة الحضارية ، تكررت في عدن وصنعاء وتعز والمنامة والكويت وعمّان والسليمانية وبنغازي وطرابلس ، هذه الصورة انتشرت في أربع أرجاء الأرض ، منطلقة من ميدان التحرير وشارع بورقيبة ، هذه هي طبيعة "مناضلو الحرية" ، هذه هي أخلاق الجيل الجديد من صناع المستقبل في العالم العربي ، هذه هي الصورة التي تقضّ مضاجع النظم والحكومات ، التي لم يعد بمقدورها أن تروّج روايتها عن "الفئة المندسة" و"الأجندات الخارجية" و"العملاء" وإلى غير ما هنالك ، العالم بأسرة يشهد ولادة جديدة ، المنطقة برمتها تعيش لحظة مخاض ، لم تعد تجدي معها أساليب النظم القديمة وخطاباتها وذرائعها.

في المقابل ، تبدو آلة القمع العربية ، عاجزة في العموم عن القيام بدورها...ثمة مصاعب جمة تواجه الاستخدام المفرط للقوة....العالم ينظر بعينيين مفتوحتين لما تقوم به الآلة البوليسية العربية...تفتّقت ذهنية الحاكم العربي عن أساليب جديدة للدفاع عن كرسيّه المزنر بكل أدوات القمع والفساد والاستعباد والاستبداد....إنهم "البلطجية" الذين يسمون زوراً بـ"الموالين" و"المؤيدين" ، يأتون على هيئة تشكيلات حربية ، شباب تلقوا تدريبات معينة ، هكذا تشير سلوكياتهم ، مدججون بالعضي والخناجر والأسلحة البيضاء...في بعض الدول إنهم "مرتزقة أفارقة" أو "مجنسون على عجل"...وفي دول أخرى أنهم مواطنون مغرر بهم أو ضلوا الطرق والسبل...ينهالون بكل وحشية على أخوتهم وأخواتهم من أبناء وطنهم وشعبهم.

يغادرون الساحات والميادين ، بعد أن يكونوا خلّفوا وراءهم ، عشرات الجرحى وعددا لا بأس به من القتلى ، وجوه مدماة ، أيادي مكسّرة ، خراب وأنقاض في الطرقات والمفترقات...إنهم رسل القتل المجاني...إنهم لا يشرفون أحداً...إعلانهم الولاء والانتماء للمسؤول ، يسيء له .

ممارسات هؤلاء ، لم يعد ينفع معها بيان توضيح يصدر عن الحكومة...أو موقف حياد بين الجيش والأجهزة الأمنية من جهة والمتظاهرين من جهة ثانية...الحياد بين "البلطجية" والمتظاهرين ، هو تواطؤ مع المجرمين...لجان التحقيق لم تصل لنتيجة في أي دول عربية سبّاقة للثورة ، فلماذا الاعتقاد بأنها ستأتي بنتيجة في الدول التي تنتظر شعوبها وما بدلت تبديلا.

لقد جرّبت الأنظمة ميليشياتها وبلطجيتها...جربت مليشيات الحزب الحاكم وفلول أجهزته الأمنية...أين أصبح بلطجية "واقعة الجمل" في ميدان التحرير...أين أصبح بلطجية حزبي التجمع في تونس والوطني في مصر...لقد ذهبوا جفاء ، أما ما ينفع الناس فقد ظل في ميدان التحرير وشارع بورقيبة.

لا أحد يتعلم من دروس غيره ، يبدو أنهم فقدوا القدرة على الإبداع...لقد داهمتهم الثورة العربية الكبرى التي تتنقل شراراتها من عاصمة إلى أخرى...بتنا نحفظ عن ظهر قلب ماذا سيقولون ونعرف تمام المعرفة ، ماذا سيفعلون...ستبدأ الحكاية باتهام للفئات المندسة وأصحاب الأجندات والعملاء ، وستمر بهجوم منظم على "قناة الجزيرة" ، وسيدّعي الإعلامي الحكومي الهابط ، بأن هذه القناة ليست "مهنية" ، إنظروا من يتحدث عن "المهنية" ، سيخرج عقلاؤهم بفيض من الوعود عن التنمية والإصلاح ، وستقدم "الرشى" تباعاً وبالمجان ، تماماً مثل الوعود والتعهدات التي تقطع تباعاً وبالمجان كذلك...لكن طوفان التغيير لن يتوقف عند ألاعيبهم ومناوراتهم و"بلطجيتهم" و"زعرانهم"...ستحدث تغييرات شكلية هنا وهناك ، فلا بأس من التضحية ببعض أجنحة النظام للحفاظ على ما تبقى منه ، سيتكثف استخدام "الفتاوى" مسبقة الصنع ، والمعدة سلفاً ، سيكثر الحديث عن "السيادة الوطنية" في مواجهة التدخلات الأجنبية ، والمؤامرات الخارجية ...إنها المسرحية التي حضرناها كاملة مرتين في شهر واحد ، وها نحن نشاهد فصولها الأولى تبث على أكثر من شاشة ومن أكثر من عاصمة عربية.

من "يجرّب المجرب ، عقله مخرّب" ، مثل شعبي قديم ، يصلح في وصف سلوكيات العديد من الحكومات والأنظمة العربية.

 
(الدستور)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات