لا تستبشروا خيرا

تماما كما كانت التوقعات بدأت الجهات المعادية للإصلاح والمتضررة منه باستخدام أسلحتها وأدواتها التقليدية البائدة في تعطيل العجلة، وكأن الشهرين الماضيين كانا خارج حساباتها.
يوم الجمعة الأخيرة كان مختلفا؛ إذ كُشفت فيه النوايا الحقيقية لبعض الأطراف وموقفها المضاد والمناوئ لمسار الإصلاح والتغيير الذي تطالب به قوى شعبية وحزبية، لتؤسس لمرحلة جديدة ومتحضرة في الأردن.
في يوم الجمعة وجهت ضربتان كبيرتان للصورة التي حاولت الجهات الرسمية أن ترسمها حول نواياها حيال التغيير وتقبلها للمعارضة التي بدأت بالنزول للتظاهر منذ أسابيع.
الضربة الأولى كانت الأقوى والأخطر وتمثلت باعتداء "البلطجية" على المسيرات السلمية المطالبة بالإصلاح، لتقسم العرب عربين، فريق مع الإصلاح والتحديث وآخر ضده.
أما الضربة الثانية، فتمثلت بتدخلات جهات ما من أجل إلغاء محاور برنامج "ستون دقيقة" والتي من المفترض أن تستضيف ممثلين عن القطاعات الشبابية المطالبة بالتغيير؛ حيث تقرر الاعتذار من الضيوف في اللحظة الأخيرة.
ويبدو أن العقلية العرفية القابعة في وجدان البعض هي من خطط للضرب و"خربطة" ترتيب البرنامج والتي ما تزال تعتقد أن أدواتها التقليدية قادرة على تعطيل العجلة، بيد أنها تخطئ الآن إن ظنت ذلك، تحديدا بعد الهزة التي تعرضت لها المنطقة، حيث باتت هذه الأساليب منتهية الصلاحية.
ما حدث يوم الجمعة مهم للمضي في عملية الإصلاح التي كفلها الملك في كتاب التكليف وتعهدت الحكومة بجعلها واقعا، خصوصا وأن التدخل في عمل التلفزيون والاعتداء على المشاركين في المسيرات يقدم وجها آخر أكثر واقعية لطريقة التفكير الرسمي ومدى جديته في السير في ملف الإصلاح وتقبله للطروحات التي يقدمها المطالبون بالإصلاح.
وبغض النظر عمن يقف خلف المعتدين فإن ما حدث عمق الفجوة بين الساعين للإصلاح والجبهة المضادة، وعكس صورة سلبية عن الأردن في الخارج ووضعنا في مصاف دول أخرى تعاني من واقع يختلف عن ما يحدث في الاردن.
من ضرب المشاركين حمل شعارات تؤكد الولاء للنظام، ما يعطي فكرة لمن لا يدري بأن الداعين للإصلاح ضد النظام وهذا كلام غير دقيق وغير صحيح، فالأردنيون مهما اختلفت خلفياتهم السياسية والحزبية وأصولهم ومنابتهم لا خلاف بينهم على النظام الهاشمي وشرعيته؛ اذ يرى كل الشعب أنه صمام أمان للبلد.
ما حدث يوم الجمعة يؤسس لمرحلة جديدة ويضر بأجندات المعادين للإصلاح ويعريهم، ويضع الناس اليوم بين خيارين أولهما يدعو للتغيير ويسهم بحل كثير من المشاكل التي افرزها تأخر ملف الإصلاح وعلى رأسها الفساد الذي زاد معدلات الفقر والبطالة وهدر المال العام، والعنف الاجتماعي وضعف مجلس النواب وأزمة الفقر السياسي والعجز عن إنتاج القيادات والنخب وضعف الجهات الرقابية، وتغييب الأحزاب وإضعافها.
أما الخيار الثاني فيدعو إلى إبقاء الحال على ما هو عليه من دون تغييرات تذكر باستثناء الشكلي منها، حيث يفضل هذا الفريق إبقاء قبضة جهات بعينها على كل صغيرة وكبيرة، والتحكم بكل بمفاتيح الأمور، ما ينعكس سلبيا على جهود محاربة الظاهرة السلبية في مجتمعنا، ويبقينا في مصاف الدول المتخلفة والقمعوية.
سيناريوهات المرحلة المقبلة اعتمادا على ما حدث يوم الجمعة، تقود لنتائج ظلامية لا أحد يحبذها، ولا تبشر بالخير، إلا إذا أدرك صناع القرار أن المطالبين بالإصلاح هم من يوالون للبلد والنظام ويحرصون على مصالحه العليا ويحلمون به بلدا آمنا مستقرا.
(الغد)