ما هي الثورة وآفاقها

ما من ثورة في العصر الحديث (قرون الرأسمالية والصراع ضدها) جرت دفعة واحدة وفي رمشة عين كما ترغب الجماعات الكسولة قصيرة النفس.. فالثورة عملية تاريخية طويلة ومستمرة وتستغرق عقودا بكاملها. وتمر بمرحلتين: الاولى ثورة ديمقراطية او دستورية والثانية ثورة اجتماعية.

وفيما تشارك في المرحلة الاولى فئات واسعة وتتقاطع فيها مصالح قوى اقليمية ودولية وقد تبدو ثورة عفوية, تأخذ المرحلة الثانية بعدا مختلفا حيث تتصارع فيها قوى شاركت في المرحلة الاولى كما تختلف حسابات القوى الخارجية, وهو ما تكرر في كل الثورات الكبرى من الثورة الفرنسية الى الثورة الروسية التي استولى فيها (اليمين) على السلطة عدة اشهر قبل ان يطيح به اليسار وهكذا.

وما يحدث في بلادنان العربية ان المرحلة الاولى من الثورة تأخرت عن اخر الثورات قرنا كاملا فقد شهدت تركيا وايران والمكسيك ثورات مبكرة اخذت طابعا دستوريا منذ اواخر القرن التاسع عشر ولم تتمكن انذاك من الدخول الى المرحلة الثانية.

وحيث ارتبطت المرحلة الثانية من الثورة فيما سبق بالثورت الاشتراكية, فثمة عوامل جديدة اليوم مثل الاسلام السياسي كما حدث مع ايران وتركيا وكما يحدث مع مصر وتونس وهو ما يناقش في الدوائر الامريكية المختلفة حول ذلك, فالبعض يناهض هذا الخيار انطلاقا من حسابات اقليمية تتصل بالعدو الصهيوني ومخاطر ذلك عليه.

والبعض يريد بناء طوق (عثماني ليبرالي) حول قلب العالم الجديد في الصين واسيا الوسطى عموما التي باتت تهدد الزعامة الامريكية للعالم.

ويذكر هنا ان امريكا اليوم في تقاطعها مع المرحلة الاولى مع الثورة العربية ومحاولاتها اقامة فاصل (ليبرالي) ضد المرحلة الثانية تتصرف انطلاقا من ازمة النظام الرأسمالي عموما وازمتها خصوصا وتسعى بطبيعة الحال لتحصين المرحلة الديمقراطية او الدستورية, ومنعها من الانتقال الى المرحلة الثانية الاجتماعية والمراهنة على ان المجرى الليبرالي كفيل بحد ذاته وكما قوانين السوق- باعادة انتاج نفسه وتجاوز محطات غير متوقعة كسيطرة المعارضين في هذه المحطة الانتخابية او تلك.

اما الافاق العربية للثورة المصرية والتونسية فليست عملية ميكانيكية بل عملية معقدة تتوقف على جملة من الحسابات والاعتبارات من مستوى التطور الاجتماعي- الثقافي الذي يسرع فيها وفي انتقالها الى المرحلة الثانية, الى الفسيفساء الاجتماعية- العشائرية والمذهبية والجهوية الى حساسية هذا البلد او ذاك للحسابات الاقليمية والدولية.

ويلاحظ عموما ان سرعة الثورة تكون اعلى في البلدان الاكثر تطورا من الزاوية الاقتصادية والاندماج المدني من جهة وفي تلك التي توصف فيها المجتمعات بانها مجتمعات دولة (الدولة هي التي اسست المجتمعات) ضمن نظام ريعي- بطركي حيث قامت الدول المذكورة برفع الدعم الحكومي وتحطيم قاعدتها الاجتماعية تحت ضغط وصايا البنك الدولي بالمقابل وعلى خلاف ما يذهب البعض فان بلدا مثل سورية ليس على مشارف الثورة رغم القواسم المشتركة العربية الاخرى مثل احتكار القرارات السايسية وهيمنة الحزب الواحد ... الخ

فالمجتمع في سورية ليس مجتمع دولة اضافة لقطاعات اقتصادية واسعة مستقلة مثل القطاع المهني- الحرفي والاقتصاد المنزلي (تريكو ومواد غذائية) والقطاع الفلاحي المنتج ناهيك عن تقاليد التوكيل السياسي الشامية لاية سلطة حاكمة مقابل مراسيم وصفقات معروفة تشرف عليها غرفة تجارة دمشق. وهناك اخيرا السياسة الخارجية الوطنية وتجربة انهيار الدولة العراقية في الجوار.0

(العرب اليوم)