لنا التاريخ.. ولنا الجغرافيا كذلك

تم نشره الأحد 24 آذار / مارس 2019 12:33 صباحاً
لنا التاريخ.. ولنا الجغرافيا كذلك
إبراهيم جابر إبراهيم

لا أعرف إن كان من حسنات تطور الإعلام، أو من سیئاتھ، أنھ صار ینقل لنا الحرب في بث مباشر، وأسھم في أنسنة الأساطیر المتواریة في أذھاننا. ُ منھِكة نحاول رسمھا مستعینین بما تقول ّ لم یعد الجلاد فكرة غامضة، لم تعد الحرب صوراً ُّ الصحف، لم یعد الدم مجرد لون فھا أنت تحسھ یسیل عند رجلیك خلال نشرة الأخبار! ّ بیضاء متخیلة، فالشھداء الآن أطفال یموتون على مقاعد المدارس، لم یعد الشھداء طیوراً وأمھات یطبخن، وسائقو سیارات أجرة یموتون خلال نقل الركاب، والفضائیات تنقل لك اللحظات الأخیرة في حیاتھم، وآخر ما قالوه، وتوثّق ضحكاتھم على وجوھھم كما ھي؛ فلن تنتظر سماعھا من الرواة في المستقبل! الشھداء مثلنا؛ أشخاص عادیون كانوا على رأس عملھم، ثم استأذنوا! ّسجل الإفطار ّسجل الساعة الأخیرة في حیاة ربة البیت قبل أن تحمل لقب الشھیدة، وتُ الكامیرا تُ ّصو ّ ر الشھید وھو یضحك أو یمزح أو یشتم أو یشتري الخبز قبل أن یمشط الأخیر للعائلة، وتُ َش ّ عره ویدخل الى ”البوستر“ الملو ُ ن بضحكة م ّجمدة! ٍ غریبین مھمتھم الوحیدة صنع القداسة لقضیة ما، للإعلاء من الشھداء منّا، ولیسوا أشخاصاً شأنھا. ھا ھم یقدمون البراھین على شاشات التلفزیون، ویقدمون الوثائق الرسمیة التي تفضح أنھم أقارب لنا، جیراننا، التقینا بھم في المصعد یوماً أو على باب مطعم أو صالون حلاقة. الشھداء لیسوا حكایات یؤلفھا الصحفیون، وھذا الأب الذي یحمل جثة طفلة رضیعة على ! التلفزیون لیس ممثلاً، بل أب حقیقي وھذا الدمع حقیقي جداً والأطفال لن ینتظروا دروس التاریخ في السنوات اللاحقة لیقرؤوا التاریخ، فھا ھم یكتبونھ، ویرونھ أمامھم وسیجادلون فیھ أساتذتھم بثقة وبحجج دامغة وأكف مبللة بالدم! أما الأساطیر التي كنا نسمعھا في طفولتنا عن الشجعان والأبطال فتتراجع الآن من مخیلات

الأطفال، والكبار، وحتى من مخیلات المخرجین والشعراء، لأن الواقع أشد سطوعاً، ولم تعد َ المخیلة تلزم أحداً لصناعة فیلم أو روایة، فأي إبداع یستطیع أن یجاري فتى في التاسعة عشرة ٍ یقلق راحة دولة احتلال بحالھا! وأي قصیدة یكتبھا رجل مترف یمكنھا أن تصف شعباً یوزع الماء والأكل على زوایا الحارات ٍ من أجل مقاتل ُ م َطارد. والشوارع لیلاً ِّ لن تعود السینما مقنعة بعد الآن، ولا الشعر، وسیصیر المجد للفیلم الوثائقي. ولن یعود الرواة .. ضروریین فالأمھات الثكالى سیقمن بالدور، ولن یكون التاریخ كلھ مھماً فالتاریخ یكون ضروریاً حین نتحدث عن بطولات ”أبوزید الھلالي سلامة“، لكنّنا ونحن نتحدث عن ابن خالتنا، أو ابن جیراننا، یكون الضروري أن نفھم: ھؤلاء لم یموتوا من أجل أن یصنعوا ّ ”التاریخ“، بل كان كل ھمھم أن یجدوا مكاناً في ”الجغرافیا“! ّ یموتون من أجل بیت، أو جدار بیت، وقلیل من الظل حد جدار البیت. َّ السكنى في التاریخ، وفي الأغاني، جر ِّ بھا الناس مائة عام فلم تكن بیوت الشعر لتغنیھم عن بیوت الطین الحمیمیة. ً ولو مرة ً واحدة على العشاء! كل ما كان یریده ھؤلاء الناس أن تجتمع العائلة كامل .

الغد - الاحد 24-3-2019



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات