مخاطر النمو والإصلاح !

الانطباع السائد أن النمو الاقتصادي والتحديث والإصلاح السياسي يؤمن الهدوء والاستقرار في المجتمع. ولكن هناك من يقول بعكس ذلك، فهذه العوامل التي ترتقي بالبلد لها ثمن اجتماعي.
من شأن النمو الاقتصادي والانفتاح على الحريات العامة توليد الاحتجاجات، فهو يحرك المجتمع، ويضع حداً لحالة الركود والجمود المتوارث جيلاً بعد جيل.
ومن نتائج الازدهار الاقتصادي تفاقم حالة عدم المساواة، واتساع الفوارق بين الطبقات، وارتفاع منسوب الفساد، ونشوء حالة من عدم التأكد بسبب سلسلة المتغيرات.
في الوقت نفسه فإن قدراً من الازدهار الاقتصادي يرفع سقف التوقعات لدى الناس وخاصة الشباب، وينشئ مطالب عديدة، ويفتح الباب على مصراعيه للاضطرابات.
وفي الأدبيات الاجتماعية أن متاعب حكم تقليدي مسـتبد تبدأ عندما يقرر البدء بإصلاح نفسه، لأنه ليس مهيئاً لهذه المهمة، ولا تتقن عناصره سوى مقاومة التغيير باسم الاستقرار.
أبرز مثال على ذلك ما حدث في الاتحاد السوفيتي، حيث حاول غورباتشوف تحريك المياه الراكدة بقدر من إعادة الهيكلة والعلنية فخرج الجني من القمقم. وبعكس ذلك فإن بلدان مثل كوريا الشمالية أو سوريا تعتبر أمثلة على غياب العوامل التي تهدد الاستقرار.
هذا النوع من التفكير لبعض علماء الاجتماع، يناسب أنظمة الحكم التي تواجه ثورات شعوبها، فهي تفضل أن ُتعتبر ضحية لرغبتها في الإصلاح والانفتاح على العالم، وأن الثورة جاءت كقوة مضادة لتقدمية الأنظمة !! وقد جرب شاه إيران هذه الحجة ولم يصدقه أحد.
للرد على هذه النظرية من المفيد الإشارة إلى الإصلاح السياسي والازدهار الاقتصادي الذي تم في بلدان مثل سنغافورة، ماليزيا، إندونيسيا، تايوان، كوريا الجنوبية، في ظل استقرار سياسي وقدر من الديمقراطية.
الصين الشعبية وحدها تقف كاستثناء، حيث أمكن حدوث إصلاح اقتصادي جذري دون أن يرافقه إصلاح سياسي. وهو الشذوذ الذي يثبت القاعدة ويصعب أن يتكرر في مكان آخر.
لا بد من الإصلاح السياسي والاقتصادي. وإذا كان له ثمن اجتماعي فلا مناص من دفعه، فالتأجيل يزيد المسألة تعقيداً ويولد العنف، كل ما هنالك أن الإصلاح يحتاج لمصلحين أما القوى التقليدية فلا تستطيع أكثر من إعادة إنتاج نفسها.
(الراي)