أين أنت يا (ابراهيم الكوني)؟

استضاف ملتقى ثقافي نظمته وزارة الثقافة في عمان منذ سنوات الكاتب الليبي المقيم في سويسرا إبراهيم الكوني؛ حيث شارك في شهادة إبداعية حول تجربته الروائية التي يعتقد البعض أنها عظيمة ومتفردة، ولا تخلو من تأمل وفلسفة عميقة وتماس مع الكون وعناصر الطبيعة، فيما يرى آخرون أنها أقل من عادية ويرون في لغته جفافا وتهويما وثرثرة فائضة لا تكفي لتشييد بنيان روائي محكم ومقنع فنيا، وانه وقع منذ سنوات في التكرار أسير ثيمة واحدة لا تراوح فضاء الصحراء، أيا كان الأمر فإن المتلقي يظل حرا في كيفية استقبال أي أعماله الروائية وتظل المسألة متعلقة بالذائقة الشخصية.
لم أتمكن آنذاك من منع نفسي من ملاحظة السلوك الانسحابي الذي مارسه الكاتب الكوني خلال أعمال الملتقى، بحجة أنه انطوائي وزاهد وأيضا نجم روائي تترجم أعماله إلى لغات عديدة وتتهافت دور النشر على طبع رواياته، حيث كان حضوره في أروقة الملتقى في الحد الأدنى ولم يظهر إلا وقت قراءة شهادته التي كانت في أول جلسة بحسب ما أذكر، وكان ذلك ظهوره الأول في الملتقى، تلا الكاتب الكبير ورقته على مسامع الحاضرين الذين اكتظت القاعة بهم ثم انسحب من بقية أعمال الملتقى من دون أن يستمع ولو من باب المجاملة لأي من المشاركين، وقد كانت مجموعة من الأسماء العربية والأردنية التي لاتقل أهمية عنه ولعلها تفوقه بمراحل كذلك، ومع ذلك لم يبادر إلى إقامة أي شكل من أشكال التواصل الإنساني مع أي منهم باستثناء الاستجابة لطلبات الصحافيين بإجراء حوارات معه، وحين عبر نفر من الكتاب والكاتبات المشاغبين عن احتجاجهم على ذلك السلوك الاستعلائي بحسب توصيفهم، حاول البعض من ذوي النوايا الحسنة إيجاد مبررات بالنيابة، تتعلق بمزاج الضيف الكبير، الميال إلى العزلة غير البارع في مهارات التواصل الاجتماعي، وكان ينبغي أن نبدي الامتنان انه أقام في نفس الفندق الذي أقام به زملاؤه الضيوف العرب ولم يطلب تشييد خيمة خاصة به في باحة الفندق مثلا! وفي مناسبة ليست ببعيدة حيث شارك بصفة فائز بجائزة الرواية في المؤتمر الذي ينظمه المجلس الأعلى للثقافة في القاهرة للرواية العربية، هذه المرة لم يمكث الكوني في الفندق الذي استضاف بقية الضيوف العرب، بل آثر مثل أي نجم تزعجه الملاحقة والأضواء العزلة بعيدا عن أعين الفضوليين، وظهر كذلك لحظة تسلم الجائزة وألقى كلمة ركيكة لم يفهمها كثير من الحاضرين، ثم اختفى مصحوبا بجحافل الصحافيين وعشرات الكاميرات من دون أن يتعرف على أي من روائيين ونقاد الوطن العربي المشاركين في أعمال المؤتمر.
ومع ذلك فإن ما ورد من تفاصيل تظل في نطاق الحرية الشخصية للكاتب في اختيار أسلوب حراكه الإنساني والاجتماعي، وبرغم كل التعليقات والتحفظات التي يبديها الآخرون، فإنها بالنتيجة لا تخرج عن وجهة نظر تحتمل المناقشة أو نميمة ثقافية في أحسن الأحوال، غير أن موقف الصمت الذي لاذ به كاتبنا عما يدور في وطنه ليبيا من أهوال ليس مقبولا تحت أي تبرير بل مستهجن ويدعو إلى الحزن (وأتمنى هنا من كل قلبي أن أكون مخطئة) وانه عبر عن موقف ما، غير أني حرثت الانترنت حرثا بحثا عن كلمة احتجاج صدرت عنه إزاء مجزرة لبيبا التي يرتكبها دراكولا ليبيا المعاصر وخفافيشه المستأجرة في حق أبناء شعب حر شجاع، ولم اعثر عليها حتى ساعة إعداد هذا المقال، وعليه فإنني أتوجه بالسؤال عنك وإليك يا كوني وأنت القائل في روايتك (من أنت أيها الملاك؟): كل قرار في سبيل الحرية فوز حتى لو تبدى خسارة.
أين أنت أيها الكوني؟ نأمل ألا تظل ساكتا عن الحق كي لا نعدك شيطانا أخرس!.
(الغد)