جُذور هذا الإعصار

تم نشره الأربعاء 23rd شباط / فبراير 2011 04:04 صباحاً
جُذور هذا الإعصار
خيري منصور


ما يحدث الآن عربياً ليس مسلسلاً تلفزيونيا تستخدم فيه الذخيرة الحية ويعرض الحلقة الثالثة أو الخامسة من الدراما التي لا يزعم سينارست واحد انه ألفها أو حتى أعدها..

فنحن منذ عقود تحددت علاقاتنا مع الشاشات بالمشاهدة السلبية الصامتة ، وعلى نحو موسمي.. فما أن تنتهي مجزرة قانا مثلاً حتى نشعر بالبطالة مثلما تشعر بها الفضائيات والأرضيات.

أبطال هذا المسلسل التاريخي الحيّ ليسوا عشرة أو عشرين من نجوم السينما ، بل ملايين من الناس الذين لا أسماء لهم غير ما يحققونه من منجزات واستحقاقات كانت طيّ الكتمان تارة وطيّ النسيان تارة..

ان التعامل السائد مع هذه الدراما القومية لا يزال يستمد ثقافته وأدبياته من حقبة البطالة التاريخية ، حيث شمل الاستهلاك العقل أيضاً ، وتحول الانسان الى مجرد اسفنجة تمتص بانتظار القدم التي تعصرها..

قد يسمى هذا الحراك القومي المتنقل والذي تحول فيه الدم الى بديل للماء أو النفط في الأواني المستطرقة تسونامي أو زلزال أو ما شئت من التسميات ، لكنه في حقيقته ليس قيامة مباغتة وبلا نُذُر أو قرائن ومقدمات..

فالداجنون فقط ممن ساروا بمحاذاة الجدران وكانوا حذرين منها لأنها ذات آذان يفاجأون بما يجري ، ففي العقود الخمسة الماضية وان كان هذا العقد هو أعجفها كان هناك أناس يصرخون ، ويقرعون الأجراس ويعاقبون على صدقهم ويكافأ المنافقون من الدببة العمياء على نفاقهم.

كان هناك مثقفون يكتبون ويعيشون خارج المدار المغلق ، وخارج السباق القطيعي الذي أعاد تعريف الانسان بأنه مجرد فم فاغر أو أمعاء تسعى.. وكان على الدوام هناك ناشطون لم يلجأوا الى صيغة "لَعَم" الملفقة من الدمع واللعاب ، وسجن منهم من سجن في صمت ولا مبالاة وهاجر منهم من هاجر بعد أن كظم غيظه ويئس من المراوحة.

إن أي حراك عربي الآن هو حصاد أزمنة تراكم فيها العسف وتفاقمت فيها المديونيات السياسية والأخلاقية ، ثم حان موعد السداد.. إن كان الكلام عن ثوار في هذا الميدان أو تلك الساحة ، فهؤلاء أبناء وأحفاد لأناس لم يكونوا مستغرقين في غيبوبة الكهف أو في سبات سلحفائي.. لكن ثقافة الهلع وهي مرحلة متقدمة جداً عن مجرد الخوف حالت دون الالتفات إلى هؤلاء أو الإصغاء إلى أنينهم في عُزلات بالغة القسوة..

لقد أوشك العربي المعاصر أن يفقد أية قدرة على المبادرة ، واكتفى لزمن طويل بالجلوس صامتاً أمام الشاشات حتى في تلك الايام التي كان الدم فيها يرشح من التلفزيون ويبقع شراشف غرف النوم،

هذا الحراك على اختلاف بيئاته وتفاوت شعاراته ليس نبتاً شيطانياً ، انه ذو جذور سنديانية عميقة في الأرض ، لهذا يتوجب علينا أن نثقب الشاشات لنرى هؤلاء الذين لا يظهرون عليها لأنهم شهداء يتقلبون في قبورهم بانتظار قيامة تُنصفهم في زمن الخذلان والتخلي ، واذا كانت فيزياء الطبيعة تقول بأن المادة لا تفنى فان فيزياء التاريخ تقول ما هو أبعد وهو أن الدم لا يضيع ولا يجفّ وله مصبّّ لا يخطئه،،

 

 
(الدستور)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات