نزهات عسيرة في ظروف صعبة

تم نشره الأحد 28 نيسان / أبريل 2019 12:47 صباحاً
نزهات عسيرة في ظروف صعبة
د. صبري الربيحات

الحدیث عن جمال الأردن وسحر الطبیعة ودعوة الناس إلى الزیارة والاستمتاع بالخضرة والتنوع والمناخ المعتدل تقلید حرص الجمیع علیھ وكرستھ البرامج التلفزیونیة الصباحیة منذ ان اطلقت الراحلة فكتوریا عمیش فقرة صباح الوطن الجمیل قبل ما یزید على ربع قرن، وبقیت عبارة ”الوطن الجمیل“ على ألسنة الأردنیین یرددھا البدوي والریفي والحضري كلما واجھ میكروفونا او وجھ لھ سؤال عن اوضاع البلاد واحوال العباد. مع كل ھذا التدفق العاطفي والرومانسیة في احادیثنا ما یزال زوار الاریاف والمتنزھات وحتى المواقع السیاحیة یواجھون العدید من العقبات ویشكون من الفوضى وغیاب التنظیم وفقر المرافق وانعدام الخدمات فلا مواقف للسیارات ولا اشارات ارشادیة، فھم یتوجھون إلى مواقع قد تخلو من المرافق الصحیة المناسبة والحمامات النظیفة التي تحفظ كرامة الانسان وتوفر لھ الراحة. في المواقع الخالیة من التنظیم والادارة السیاحیة یستبیح الزوار المكان ویحولونھ إلى فضاء متعدد الاستخدامات فیغلقون الشوارع ویخترقون المزارع الخاصة ویشعلون النیران ویلقون بالقمامة والفضلات في مختلف ارجاء المكان. المزاج الحاد للزوار وتدني الاستعداد لتقبل الغیر ممن یشترك معھم في الاستخدام سمة یسھل ملاحظتھا ورصد أعراضھا ومؤشراتھا في سلوك الناس واتجاھاتھم نحو البیئة والدولة والمناطق التي یقصدونھا للتنزه. في الكثیر من المناطق التي یقصدھا المتنزھون تتكدس السیارات بشكل عشوائي ولا یتردد البعض في الدخول إلى الحقول المزروعة بالقمح او الشعیر بسیاراتھم او في اتخاذ جزء من الحقل المزروع موقعا لھم، فیفردون فراشھم ویشعلون النیران ویدوسون الزرع ویلقون بالنفایات على امتداد المكان دون ادنى اعتبار لمشاعر وإرادة الملاك الفعلیین لھذه الحقول او الاحساس بأنھم قاموا بأي تعد على الطبیعة وجمالیاتھا. في حالات اخرى یشعل البعض النار بالقرب من جذوع الاشجار الحرجیة المعمرة غیر آبھین

لأثر ذلك على احتمالیة قتل ھذه الاشجار وامتداد النیران لأغصانھا وأوراقھا. البیئة والطبیعة الأردنیة الخلابة تتعرض لأشرس انواع التعدیات التي تتم على مسمع ومرأى الجمعیات والمؤسسات التي تنھض بمسؤولیات الحمایة والتوعیة والتثقیف البیئي فلا وجود للشرطة البیئیة ولا للجمعیات والھیئات التي تتنافس على التمویل تحت شعارات وعناوین یصعب أن تجد مثیلا لتفصیلاتھا في البرامج وشاشات العرض ومحاضرات الخبراء الذین لا یتغیبون عن أي مؤتمر محلي او اقلیمي او دولي. منذ اسبوع حملت وسائل التواصل الاجتماعي صورا مرعبة للمذبحة التي ارتكبھا صیادون عرب على الحدود الأردنیة السوریة وذھب ضحیتھا أعداد من الغزلان البریة النادرة والطیور المحلیة والمھاجرة وأسراب من طیور الشنار الذي توقع الخبراء تكاثرھا في ھذا الموسم الاستثنائي. الصور التي عرضھا الصیادون العرب توحي بحجم الفساد والإھمال والتواطؤ الذي سمح لھؤلاء العابثین بممارسة افعالھم في الموسم الذي تضع فیھ الطیور بیوضھا وتتكاثر فیھ الحیوانات النادرة في مناطق طالما اشتكت من شح الموارد وفقر البیئة المناسبة للتكاثر. بموازاة ما یحدث من صید جائر في البادیة الشمالیة تتعرض مناطق التنزه في عجلون وجرش والاغوار ومحافظات اربد والمفرق والبلقاء وغرب الزرقاء إلى ما یشبھ الاجتیاح الذي ینفذه مئات الآلاف من المتنزھین ممن لا یحملون ادنى درجات الاحترام للبیئة أو الزراعة أو الأرض. في تسعینیات القرن الماضي اطلقت جمعیات البیئة الأردنیة حملة اعلانیة للحفاط على البیئة وتعدیل الاتجاھات والسلوك الذي یقوم بھ كثیرون ویترك آثارا سلبیة على ھیئة تلوث بصري ومادي وصوتي، وللحد من إلقاء النفایات وإشعال الحرائق وتقطیع الأشجار وقتل الطیور والحیوانات واصدار الضوضاء والضجیج الذي اصبح مرتبطا بالفضاءات العامة واماكن التنزه والطرقات. بعد سنوات توقفت الحملة وظھرت اعداد كبیرة من الجمعیات البیئیة التي لا ترى لھا وجودا الا على صفحات التواصل الاجتماعي ومؤتمرات فنادق الخمس نجوم وحفلات الاستقبال التي تقیمھا السفارات ومؤسسات التمویل. سلوك وممارسات المتنزھین تعبیر واضح عن قصور مؤسسات الدولة المعنیة في بناء الإنسان وعجز المؤسسات الخدمیة واجھزة التخطیط عن توفیر البنى التحتیة اللازمة لخدمة الناس والحفاظ على كرامتھم وتدھور علاقة الانسان بالدولة والقوانین والقیم التي نتشدق بھا. المواطن الأردني یعاني من نقص الخدمات في الحدائق والمتنزھات فلا میاه ولا حمامات او مواقف سیارات وحاویات لجمع القمامة. من الصعب الاستمرار في لوم المواطن واتھامھ بالتقصیر في البیئات والاماكن الخالیة من الخدمات والتشریعات والمعلومات والادارة.

الغد -- السبت 27-4-2019



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات