هل يقتنع الناس؟

في رسالة أخرى لافتة، أحالت حكومة د. معروف البخيت ملف "سكن كريم لعيش كريم" لهيئة مكافحة الفساد، للنظر في "شبهات الفساد" فيه، وذلك بمثابة اعتراف ضمني بأنّ ما كان يكتب في الصحف حول "التجاوزات" كان صحيحاً، بالرغم من "الغضب الرسمي" الشديد حينها على الإعلام!
اليوم، هنالك ثلاثة ملفات فساد حقيقية وأساسية أمام الهيئة، الأول هو ملف موارد، والثاني هو الكازينو، أما الثالث فهو "سكن كريم لعيش كريم". وهي قضايا كبرى طالما تحدّث عنها الإعلام والرأي العام، وتلبّستها الظنون والشكوك التي تستند إلى مؤشرات ودلالات متعددة.
المفارقة أنّ هذه الملفات كانت، سابقاً، "محصّنة" من الإعلام، وتعتبر من "التابوهات" التي لا يجوز الاقتراب منها، ما يدفع إلى السؤال: إذا كان هنالك إدراكٌ رسمي بوجود "شبهات" فساد هنا، لماذا تم الصمت عليها إلى أن أصبحت عبئاً كبيراً على الدولة وعلاقتها بالمجتمع والرأي العام؟!
يُحسب لحكومة البخيت أنّها قامت بتحويل ملفين أساسيين، لكن ذلك ليس كافياً بنظر الرأي العام حتى نرى مخرجات التحقيق، فيما إذا كانت بالفعل ستؤدي إلى نتائج جدّية تطاول المسؤولين والمتورطين الكبار، وفيما إذا كانت ستؤدي إلى "استعادة" خزينة الدولة لأموال الأردنيين.
إلى الآن، ما نزال ننتظر نتائج التحقيق في ملف موارد، فيما يؤكد المسؤولون أنّ سبب التأخير الرئيس يعود لوجود عدة شركات وعشرات الآلاف من الأوراق التي تتطلب دراسة قانونية واقتصادية، فضلاً عن محاولة رسم مسار التعامل مع الملف وصولاً إلى الصيغة الأكثر خدمة لمصالح الدولة والمجتمع.
ذلك يقتضي الإشارة إلى أهمية تطوير هيئة مكافحة الفساد، وتطعيمها بخبرات وطنية وقامات معروفة بالنزاهة والنظافة والصرامة في الالتزام بمصالح الدولة والناس، وبضرورة تعزيز الهيئة بإمكانات وآليات قادرة على تحقيق أهدافها بأسرع وقت ممكن، لأنّ الانتظار في مثل هذه الملفات يدفع إلى القلق والأقاويل والتكهنات المضرّة، ما يجعل من الشفافية مع الرأي العام والإعلام وتحديث المعلومات خطوات أساسية للتأكيد على "مصداقية" الحكومة في هذا الخط السياسي الجديد.
مع إيداع ملف "موارد" لدى مكافحة الفساد، فإنّ جزءاً كبيراً من الملفات التي أثارت غضب الرأي العام قد أخذت طريقها إلى المكان الصحيح، لكن السؤال الأبرز الذي ننتظر من الحكومة بناء "صيغة" له، ومنحه أولوية وأهمية، فيتمثّل بفتح ملف "الإثراء غير المشروع" للمسؤولين السابقين، وحتى لمن كانت له مشاريع وصفقات تجارية مع الدولة، من أجل التحقق من هذه الثروات ومصادرها، وصولاً إلى تقديم "كشف حساب" للرأي العام، حول هذه القضايا التي أثارت حنقاً كبيراً وغضباً شديداً في أوساط الشارع والنخب.
الفساد هو أحد أبرز الملفات التي وجّهت ضربات قاتلة لمصداقية الدولة، خلال السنوات الأخيرة، وأدّت إلى إثارة الأزمات والشكوك في العلاقة بين الحكومات المتعاقبة والشريحة الواسعة من المجتمع، وهو الملف الذي تحمّله الأغلبية العظمى من الشعب مسؤولية الأزمة المالية الحالية، التي تعاني منها البلاد.
ليس من السهولة إقناع الناس بأنّ الفساد لم يعد محصّناً، وأن من أذاقوا المواطنين عناء الأزمة المالية وما ترتب عليها من مشكلات مسّت حياتهم اليومية سوف يدفعون ثمن ما قاموا به. لكن إذا اقتنع الناس بذلك، فإنّ الدولة ستتخلص من حمِلٍ كبير أثقل كاهلها السنوات الماضية وكان سبباً رئيساً لخسارة أرصدة رمزية وسياسية كبيرة لها!
(الغد)