سلسل يبحث عن سينارست!

تم نشره الإثنين 28 شباط / فبراير 2011 04:49 صباحاً
سلسل يبحث عن سينارست!
خيري منصور

لم يعد العربي بحاجة الى مشاهدة أفلام من طراز فلم كاليغولا أو مسرحيات مثل الايدي القذرة لسارتر والعادلون لألبيركامو.. فما ضحك عليه حتى البكاء أمام الشاشة ثم بكى حدّ الضحك كما في مسرحيات الراحل الماغوط يتراجع الآن أمام البث الحي لهذه المزاوجة الفريدة بين الكوميديا والتراجيديا ، فالتراجيديا في الشارع والميادين وثلاجات المستشفيات والمشارح ، أما الكوميديا فهي في مكان آخر ، مدجج بالحراسة ، انها كوميديا تتمتع بالدروع الواقية من الرصاص لا مانع لديها ان ترقص في مأتم حى لو كان من صناعتها..

ما كنا نهز الاكتاف ونزم الشفاه عندما نراه على الشاشات كان من انجاز سينارست محترف وكاميرات تلجأ الى الحيل البصرية ، ورغم استغراقنا في المشاهدة كنا نحس بأن ما نراه ليس حقيقيا ، لهذا لا بأس ان نتدفأ ونتناول العشاء ونحن نشاهد ركاب تايتانك يغرقون ثم يطفو الاطفال الموتى كالدمى على سطح المحيط..

الآن.. تغير الأمر.. فأبطال الكوميديا من صميم هذا الواقع ، وكذلك ضحايا التراجيديا وما نراه من دم يسيل في الشوارع ليس حبراً أحمر أو عصير رمان وعنب أسود ، انه دم بشري طازج ، وينبض بالعربية وأبجديتها ، والأمهات والارامل اللواتي يبكين هن من العمّات العربيات والخالات.. ولسن ممثلات ماهرات يذرفن الدموع مقابل أجر.. وليس مصادقة أن تختفي الآن المسلسلات الدرامية عن الشاشات ، لأننا لسنا بحاجة الى من يمثل دور القاتل أو من يجسد دور الضحية ، فالواقع نفسه هو الفلم العربي الطويل.. أما السينارست الضليع في هذا الفقه المُتَلفَز فهو التاريخ..

ان الامبراطور كاليجولا الذي أراد ان يقطف القمر كبرتقالة ويضعه في جيب معطفه ليس الآن أمثولة للمسرح القاسي فهو من كلاسيكيات الطغيان وجنون العظمة ، ولم يكن يدري ان حقبة ما بعد الحداثة سوف تفرز من يتفوقون عليه ، ويحولونه الى أحد الهواة ، ازاء محترفين من طراز غير مسبوق وقد لا يكون ملحوقاًّ،

عندما قرأت مسرحية الايدي القذرة لسارتر قبل عقود لم يخطر ببالي أنها تخصني كعربي ، لأنها تحدثت عما سوف يحدث وليس عما حدث بالفعل ، والأمر ذاته يكرر مع مسرحية طفولة زعيم أولوسيان ، فما يجري الآن وما نشاهده بالبث الحي يتخطى كل ما كتب في القرن العشرين ، لأنه اكثر من سوريالي ودادائي ، وأبعد من مسرح القسوة الذي تزعمه آرتو.. أو مسرح العبث الذي قذف المشاهدون في صالاته الممثلين بالحجارة والبطاطا والبيض لأنه يخدعهم ولا يقول لهم شيئاً يعادل عشر الثمن المدفوع للتذاكر،

لحسن الحظ ان تسجيل وتوثيق هذه التراجيكوميديا متاح لنا كي نورثه للاحفاط واحفاد الاحفاد ، ويروا بأنفسهم كيف عشنا ومتنا بالتقسيط الممل ، وذات يوم ستكون الكوميديا العربية اكثر جذباً للادباء والمؤرخين من كوميديا دانتي الالهية أو كوميديا بلزاك الارضية..

أما التراجيديا التي تعرض الآن في الساحات فسوف يغار منها شكسبير في قبره،،

 
( الدستور )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات