سلسل يبحث عن سينارست!

لم يعد العربي بحاجة الى مشاهدة أفلام من طراز فلم كاليغولا أو مسرحيات مثل الايدي القذرة لسارتر والعادلون لألبيركامو.. فما ضحك عليه حتى البكاء أمام الشاشة ثم بكى حدّ الضحك كما في مسرحيات الراحل الماغوط يتراجع الآن أمام البث الحي لهذه المزاوجة الفريدة بين الكوميديا والتراجيديا ، فالتراجيديا في الشارع والميادين وثلاجات المستشفيات والمشارح ، أما الكوميديا فهي في مكان آخر ، مدجج بالحراسة ، انها كوميديا تتمتع بالدروع الواقية من الرصاص لا مانع لديها ان ترقص في مأتم حى لو كان من صناعتها..
ما كنا نهز الاكتاف ونزم الشفاه عندما نراه على الشاشات كان من انجاز سينارست محترف وكاميرات تلجأ الى الحيل البصرية ، ورغم استغراقنا في المشاهدة كنا نحس بأن ما نراه ليس حقيقيا ، لهذا لا بأس ان نتدفأ ونتناول العشاء ونحن نشاهد ركاب تايتانك يغرقون ثم يطفو الاطفال الموتى كالدمى على سطح المحيط..
الآن.. تغير الأمر.. فأبطال الكوميديا من صميم هذا الواقع ، وكذلك ضحايا التراجيديا وما نراه من دم يسيل في الشوارع ليس حبراً أحمر أو عصير رمان وعنب أسود ، انه دم بشري طازج ، وينبض بالعربية وأبجديتها ، والأمهات والارامل اللواتي يبكين هن من العمّات العربيات والخالات.. ولسن ممثلات ماهرات يذرفن الدموع مقابل أجر.. وليس مصادقة أن تختفي الآن المسلسلات الدرامية عن الشاشات ، لأننا لسنا بحاجة الى من يمثل دور القاتل أو من يجسد دور الضحية ، فالواقع نفسه هو الفلم العربي الطويل.. أما السينارست الضليع في هذا الفقه المُتَلفَز فهو التاريخ..
ان الامبراطور كاليجولا الذي أراد ان يقطف القمر كبرتقالة ويضعه في جيب معطفه ليس الآن أمثولة للمسرح القاسي فهو من كلاسيكيات الطغيان وجنون العظمة ، ولم يكن يدري ان حقبة ما بعد الحداثة سوف تفرز من يتفوقون عليه ، ويحولونه الى أحد الهواة ، ازاء محترفين من طراز غير مسبوق وقد لا يكون ملحوقاًّ،
عندما قرأت مسرحية الايدي القذرة لسارتر قبل عقود لم يخطر ببالي أنها تخصني كعربي ، لأنها تحدثت عما سوف يحدث وليس عما حدث بالفعل ، والأمر ذاته يكرر مع مسرحية طفولة زعيم أولوسيان ، فما يجري الآن وما نشاهده بالبث الحي يتخطى كل ما كتب في القرن العشرين ، لأنه اكثر من سوريالي ودادائي ، وأبعد من مسرح القسوة الذي تزعمه آرتو.. أو مسرح العبث الذي قذف المشاهدون في صالاته الممثلين بالحجارة والبطاطا والبيض لأنه يخدعهم ولا يقول لهم شيئاً يعادل عشر الثمن المدفوع للتذاكر،
لحسن الحظ ان تسجيل وتوثيق هذه التراجيكوميديا متاح لنا كي نورثه للاحفاط واحفاد الاحفاد ، ويروا بأنفسهم كيف عشنا ومتنا بالتقسيط الممل ، وذات يوم ستكون الكوميديا العربية اكثر جذباً للادباء والمؤرخين من كوميديا دانتي الالهية أو كوميديا بلزاك الارضية..
أما التراجيديا التي تعرض الآن في الساحات فسوف يغار منها شكسبير في قبره،،
( الدستور )