«يسقط ثالث»

تم نشره السبت 08 حزيران / يونيو 2019 12:26 صباحاً
«يسقط ثالث»
عريب الرنتاوي

لم يترك جنرالات السودان وسيلة أو أداة، كان يستخدمها عمر حسن البشير للبقاء متربعاً على عرش السودان لثلاثين عاماً، إلا وجرّبوها أو لوّحوا بتجريبها ... من سياسة «فرق تسد» في التعامل مع الحراك الشعبي والمهني، إلى استخدام المليشيات الرديفة التي أنشأها النظام السابق، مروراً بالتلويح بخطر الفلتان والمؤامرات وأعداء الخارج، وليس انتهاء باللجوء إلى القوة الخشنة لفض الاعتصام.
ليس هذا فحسب، فحكام السودان العسكريون الجدد، قرروا من جانب واحد، أنهم «باقون ويتمددون» على رأس السلطة في البلاد، وأنهم يسعون في بناء قاعدة اجتماعية لحكم مديد، قوامه مليشيات وفئات مهمة، ورسموا لأنفسهم موقعاً في خريطة التحالف الإقليمية، في قلب «معسكر الثورة المضادة» لثورات الربيع وانتفاضاته ... لقد قضي الأمر بالنسبة لهؤلاء، ولم يبق سوى التخلص من الجموع المحتشدة قبالة مقر القيادة العامة للقوات المسلحة.
هؤلاء هم تلاميذ البشير و «أيتامه»، نشأوا في عهده ولولا ولائهم له لما وصلوا إلى ما وصلوا إليه ... لا يعرفون سوى منهجه في الحكم، وقد خبروا ألاعيبه وأدواته، فقد كانوا جزءاً منها، وأداة تنفيذية من أدواتها ... راوغوا وماطلوا على أمل أن ينفض الجمع أو ينقسم على نفسه، وإلى أن استكملوا توثيق عرى تحالفاتهم مع «الثورة المضادة» إقليمياً، قبل أن يحزموا أمرهم ويقرروا الانقضاض على انتفاضة الشعب السوداني.
هم يكذبون حين يزعون أنهم جزء من ثورة الشعب السوداني، هم قفزوا على أكتفاهم لمنع سقوط النظام والاكتفاء بإسقاط بعض رموزه، واستبدال جنرال بآخر ... هذه هي وظيفتهم، وعلى هذا الأساس تلقوا الدعم المفتوح سياسياً ومالياً من عواصم معروفة ... هم يكذبون حين يتحدثون عن «زهدهم» بالحكم ويعدون بتسليم السلطة لحكومة مدنية، لا وظيفة لتصريحاتهم سوى خداع الجماهير الغاضبة، وطمأنة المجتمع الدولي واحتواء ردّات أفعاله ... هم يريدون للسودان أن يبقى في قبضة الجنرالات، وأن يعيد انتاج سير «كبيرهم ومعلمهم السحر» ... وهذا ما أدركه السودانيون وإن متأخرين ولكن ليس قبل فوات الأوان.
ما يجري في ساحات الخرطوم، من احتلال للمدينة وتقطيع لأوصالها ومطاردات في الشوارع واغتيال للنشطاء بالرصاص والقنابل الدخانية والهراوات، هم التعبير الحقيقي عمّا يجول في دواخلهم ... هذه هي حقيقتهم الوحيدة، من دون تجميل ... وهذه هي نواياهم من دون تزييف.
لقد أسقط السودانيون عمر البشير بعد أن ظن وظنوا أنه باق إلى الأبد ... وأسقطوا من بعده الجنرال ابن عوف، وبسرعة قياسية ... اليوم تدخل معركة السودان من أجل الدولة المدنية الديمقراطية، فصلها الثالث، ويهتف السودانيون بشعار «تسقط ثالث» ... وليس أمامهم سوى الانتصار في هذه المعركة، وإلا جازفوا بإخضاع بلادهم لعشريات قادمة من السنين تحت بساطير الجنرالات وعصيّهم.
«الثورة المضادة» في السودان تكتمل فصولاً ... خطوطها المحلية تتشابك مع خطوطها الإقليمية ... تتظهّر وتنفضح ... والشعب السوداني لم يقل كلمته الفصل بعد ... المعركة من أجل الحرية والديمقراطية لم تضع أوزارها بعد، والمجلس العسكري الذي سمع قادته كلاماً تحريضياً للانقضاض على الشارع، عليه أن يدرك بأن طريقه محفوف بالمخاطر، وأن ثمة غرفاً فارغة مجاورة للغرفة التي يجلس فيها عمر حسن البشير، ثمة متسع لكل من يعبث بمستقبل الشعب السوداني وحيوات أبنائه وبناته ... ومن لم يتعلم من تجربة الأشهر القليلة الفائتة في السودان، لن يتعلم أبداً، بل هو غير قابل للتعلم أصلاً، وسيندم الذين انقلبوا على ثورة هذا الشعب الطيب والعظيم، ولكن حين لا ينفع الندم.

 

الدستور - الأربعاء 5 حزيران / يونيو 2019.



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات