الشارع المستبد

تم نشره السبت 15 حزيران / يونيو 2019 12:44 صباحاً
الشارع المستبد
إبراهيم جابر إبراهيم

لا یقل ُ الشارع العربي دیكتاتوریة عن الحاكم! فالاستبداد فطرةٌ، ومن طباع العربي، حتى إن شاعراً عربیاً ھو عمر بن أبي ربیعة قال ”إنما ّ العاجز من لا یستبد“! ّ وفي موسم الربیع العربي، الذي یفترض بھ موسم حریات، وأن یتنفس الناس من بعد طول اختناق، یشیع في الشارع العربي نوع أكثر رھبة من الاستبداد؛ ھو استبداد المواطن بالمواطن واستبداد الناس بالناس! فالمشكلة في تربیتنا العربیة أن تعریفنا للرأي الآخر ھو أنھ رأینا نفسھ على أن یقولھ شخص ”آخر“! حتى إن مواطناً یقمع آخر وھما، كلاھما، في الطریق لمظاھرة تطالب بالحریات! وھذا لیس جدیداً في الشارع العربي، فلطالما خاف الشاعر والمثقف والرسام والمصور والمغني والراقصة والعازف من الناس، ومن محاكماتھم الأخلاقیة، أكثر مما خافوا من الرقیب الرسمي أو من المؤسسة الرسمیة. لیس جدیداً؛ وخبرناه لعقود طویلة، لكنھ الآن یبدو نشازاً وشدید المفارقة، حین یظھر في وقت ُ یخرج الناس كل یوم للمطالبة بحریاتھم، وبأنفاسھم، ح ّرة. والذي یدفع للاستفزاز أحیاناً ھي حالة التقدیس والرمزیة والھالة الفضفاضة التي یصنعھا البعض لأسماء من الناس لمجرد أنھا تسیر في الصف الأول من التظاھرة، بدون الانتباه أن حالة القداسة ھذه، التي نضع فیھا بعض الثوار ھي تربیة دیكتاتوریین جدد، وتخصیب لمشروع استبداد جدید. ّ للنقد الآن فھل ستتقبلھ حین تصیر على سدة الحكم؟! وإذا لم تكن الثورات خاضعة ومتقبلةً ومما یدفع للاستفزاز، أیضاً، حالة التشبث برأي واحد في شارع الربیع العربي، لا یجوز الاعتراض علیھ أو مناقشتھ، أو الإضافة إلیھ، فإذا انتقد واحد یافطة ما، ولو لخطأ إملائي أو نحوي، صار من مناصري الدیكتاتور، وبأنھ متعاطف مع الطاغیة، وأنھ ضد الشعوب كلھا من

یمینھا لیسارھا، ومن شرقھا لمغربھا. ھذا كلھ یدخل في ثقافة الاستبداد التي كان الحاكم یمارسھا على شعبھ، والمواطن یمارسھا على زوجتھ، والزوجة على أولادھا، والأولاد على شقیقاتھم البنات، والمعلم على تلامیذه، والمدیر ُ على موظفیھ، ویمارسھا الإمام الذي یخاطب المصلّین بفوقیة من ملك العلم وحده! وفي طریقھا للتظاھر ضد الحاكم لم تنتبھ تظاھرات الربیع العربي لھذه الثقافة، ولم تحاول التخلص منھا، ولم یسمح المواطن للتعددیة أن تخرج من سجنھا، كما خرج ھو. قلة قلیلة جداً، ونادرة، تلك التي یمكنھا تقبل الرأي الآخر، أو أن تستمع لھ من حیث المبدأ! الذین ناموا لشھور طویلة في میادین التحریر لیسوا أنبیاء بالضرورة لمجرد أنھم ضحایا، فھم من طینة ھذه الشعوب التي أنجبت حكامھا من أسر فقیرة وكادحة أحیاناً، وھؤلاء المتظاھرون والمحتجون والذین استشھدوا أیضاً لو تسلموا الحكم فربما لن یختلفوا كثیراً عن الحاكم المستبد، وھذا لیس انتقاصاً من شأنھم بالطبع، ولا إساءة للثورات أو انتقاصاً من ضرورتھا التاریخیة، ولكن لأن ھذه ھي ثقافتنا العربیة وھذا ھو موروثنا، وتراثنا، و“جیناتنا“ في الحكم والسلطة! ربما علینا إذاً أن نفھم أن الثورة الحقیقیة، والمطلوبة، ھي ثورة وعي، وتغییر ثقافي، ونھوض معرفي، ولیست مجرد استبدال حاكم بآخر جدید ھو بدوره سیستبد حتماً انسیاقاً لمقولة شاعره ُ العربي الذي ی ّعیرهُ ّ بعجزه إن لم یستبد! علینا أن نفھم كلنا ذلك حتى لا ترتفع في كل عواصمنا تلك الیافطة البلیغة والمشبعة بالخیبة التي ّ رأیتھا مرة في شوارع تونس: ”قبل الثورة كل شي ممنوع... بعد الثورة كل شي حرام“!

الغد - الجمعة 14-6-2019



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات