صناعة الديكتاتور!!

تم نشره الأربعاء 02nd آذار / مارس 2011 02:47 صباحاً
صناعة الديكتاتور!!
خيري منصور

 

 

هي صناعة ثقيلة ، وقد تكون أقل صناعة عرفها التاريخ منذ الديكتاتور الاول ، مادتها الخام من الطبيعة ايضا ، لكنها ليست بترولا أو قطنا أو نحاسا ، انها الغرائز السفلى حسب التراتبية الفرويدية ، ومنطقة ما يسميه جارودي الخلايا الزواحفية للدماغ ، ولا بد لهذه الصناعة الثقيلة والباهظة من شروط ذاتية ، في مقدمتها تضخم الذات وتورمها ، وهي حالة من السرطنة السايكولوجية ومنها ايضا ضعف الخيال ، بحيث يصدق هذا الديكتاتور كل ما يقال له ويسترضيه ويدلك عواطفه البدائية ، فهو قد يقتنع بأنه خالد وبأنه من طينة اخرى غير طينة البشر الفانين.

لكنه لو ترك لحاله قد يتحول الى مجرد قاتل أو مجنون ، يؤدي التحية لنفسه أمام المرايا ، لكن المتعهدين والخبراء في هذه الصناعة يتولون سقاية البذرة ، ورعايتها كي تتحول الى شجرة تحجب الغابة ، وتبدأ المسألة بالعزف على اشد الاوتار الغرائزية حساسية لدى الطاغية ، بحيث تصبح اخطاؤه معجزات ، وما يراه هو الحقيقة وكل ما عداه لا قيمة له.. ونادرا ما يقيض للديكتاتور عبد من طراز ذلك العبد السومري الذي استيقظ من غيبوبة الوعي ليقول لسيده.. انك سوف تموت ايضا ، وان قتلتني الآن فسوف تلحقني بعد بضعة أعوام أو شهور أو ايام أو ساعات لأنك محكوم بالاعدام مثلي،

الفقهاء في هذه الصناعة الثقيلة والأخطر والأشد فتكاً بالانسانية من اي سلاح نووي ، يزينون للطاغية ما يروق له ، فلا يسمعونه غير ما يشتهي سماعه ، ويحجبون عنه كل ما لا يسره ، ولديهم المهارة في الاختفاء بحيث يرتدون طاقية الاخفاء في يوم غضبه ان كان له يومان كالنعمان يوم بؤس ويوم نعيم..

في الماضي اقترح صانعو الديكتاتور عليه وهو في طور الاحتضار ان يقتلوا عددا من المارة كي يدفنوا معه ويؤنسوا وحشته ، واليوم يفعلون الشيء ذاته لكن بصورة مختلفة تليق بالحداثة والعولمة وسائر تسميات القطيع الذي يقتسم جزرة واحدة وعدة عصي تلهب ظهور افراده المتلثمين ، وقد لا تكتمل العدالة لحظة محاكمة الديكتاتور الا باحضار هؤلاء الذين ألصقوا الريش على كتفيه ، ولعقوا قدميه ، وسبحوا بحمده عندما كانت خزائنه مليئة ، لأنهم لا ينصرفون عنه الا لحظة الافلاس سواء كان سياسيا أو ماليا أو بأي مقياس آخر،

هي صناعة قديمة وقد تكون أقدم من مهنة البغاء التي يقال انها اقدم مهنة في التاريخ لكن ما طرأ عليها من تحديث وتطوير عصرنا جعلها في مقدمة الصناعات الكبرى ، التي تكرس لها مختبرات نفسية ، وبلاغة جوفاء ، فالديكتاتور بمرور الوقت وتعاظم الجنون وتكاثر الزمارين والطبالين يفقد البوصلة ، ويفقد التوازن أيضا لأنه يخرج عن نطاق جاذبيات الارض والتاريخ ، وتصبح العدالة بالنسبة اليه هي توزيع الغنائم عليه وعليه ثم على ذويه...

اما كلمة الحق فهي مجرد مفردة ضالة من القاموس لا معنى لها ولا دلالة ، لأن الحق كله مطوب باسمه ، ولأنه يحتكر الصواب والجمال والخير ، نعرف كيف نفخ خبراء هذه الصناعة في البلالين الملونة حتى انفجرت ، وكيف تخصصوا مثل شانشوا رفين دونكيشوت في رواية اخبار انتصاراته على الطواحين ، واذا كانت الشعوب ضحية الطغاة فان الطغاة ايضا ضحايا هؤلاء الشياطين الذين يقولون لمن يتولى نعمتهم ان الشمس لا تشرق الا من أجله ولن تغرب الا اذا تعكر مزاجه..

انها صناعة ثقيلة ، لا تحتاج في فتكها النووي الى يورانيوم مخصب أو زئبق أحمر،،

 
(الدستور)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات