فسـاد أم سـوء إدارة؟

سـوف تتلقى هيئة مكافحة الفسـاد سيلاً من الملفات الساخنة (للتحقيق فيها وإجراء المقتضى)، فقـد أصبحت الهيئـة هي الجواب لأية شـبهة فسـاد يمكن إطلاقها بحق أو بدون حق، فالمهم إزاحة القضايا عن وجه المسؤول.
آخر هـذه الملفات يعـود لمشروع سـكن كريم، فقـد اتضح أن الكلفة عالية جـداً، ذلك أن ثمانية آلاف شـقة كلفـت 240 مليون دينار، أي أكثر من كلفة الشـقة الفاخـرة في دابوق ، كما قال وزير الإعلام.
إذا صحت هذه الأرقام فإن كلفة الشـقة الشعبية تبلغ 30 ألف دينار، وهذا كثيـر، ولكنه أقل من ُسـدس كلفة الشـقة في دابوق أو عبدون.
لماذا يسـتغرب الوزير ارتفاع كلفة المشروع الحكومي الذي قصـد به توفير سكن معقـول لذوي الدخول المحـدودة إلى مستوى الشقق الفاخرة، بالرغم من تقديم الأرض والخدمات من الحكومة مجاناً مع إعفاءات غير محدودة.
رجال الأعمال لا يصلحون لإدارة الحكومة، ولكن الوزراء وموظفي الحكومة لا يصلحون لإدارة الأعمال طالما أنهم ملتزمون بالروتين الحكومي. المشاريع التي تنفذهـا الحكومة مباشرة تصبح بؤراً للفسـاد أو سوء الإدارة، والنتيجة هدر المال، كما حصل في مشروع سـكن كريم، وكما كان يحصل في ظل احتكار وزارة التموين.
تم مؤخراً تشـكيل هيئة طويلة عريضة من أشـخاص ليس لديهـم وقت لدراسة قرائن وأدلـة ووثائق الفسـاد. ولا نريد أن نسـتبق قرارات الهيئة وتوصياتها، ولكنا نرجح أن ما حصل في سكن كريم ليس فساداً بمعنى الرشوة والعمولة غير القانونية، بل سـوء إدارة، من شأنها رفع الكلفـة، وإذا ثبت سوء الإدارة، فهو نتيجـة طبيعيـة لمحاولة الحكومة الحلول محـل رجال الأعمال في تنفيـذ أعمال إنشائية أو تجارية أو صناعية أو سياحية، فأسلوب العمل الحكومي ليس معداً لمثل هذه النشاطات، علماً بأن المستهدفين بالمشروع لم ُيقبلـوا عليه.
عندما تقـرر مشروع سـكن كريم دعانا وزير الأشغال والإسكان في حينه، وشـرح لنا أسلوب العمل بحيث لا يكلف تنفيـذ المشروع الخزينة فلسـاً واحداً، فالحكومة تقـدم الأرض والبنية التحتيـة، والمتعهد يبني عدداً من الشقق يسلم نصفها لمؤسسـة الإسكان مقابل الأرض والبنية التحتية، ويحتفظ بالنصف الآخر ليبيعه على أسس تجاريـة ويسترد تكاليفـه.
هذا هو وعد القطاع العام.
(الراي)