يوم لا ينفع الندم

بات المشهد الاقتصادي اليوم أكثر انكشافا من ذي قبل رغم أن التصريحات الرسمية من قبل القائمين على الملف الاقتصادي تحاول التهدئة وإقناع الناس بأن الوضع ليس خطيرا، كما يدعي البعض.
في الإعلام نُتهم بأننا مقصرون في إظهار الايجابيات الموجودة، حيث يطالب البعض بالحديث عن الصورة المشرقة، مثل القول بأن الأردن بلد آمن ومستقر، وأن المملكة تتمتع بسلطة قضائية نزيهة.
ولم يخطر ببال الدعاة أن الإعلام لا يؤكد المؤكد، وما الفائدة في إعادة التأكيد على ما هو معروف للكبير قبل الصغير، وإذا ظن البعض أن هذا هو الدور الحقيقي للإعلام فهم مخطئون، فواجب الإعلام تسليط الضوء على السلبيات لعلاجها وإظهار الاختلال أملا في تصحيحه.
تحسين المزاج العام اليوم حيال الحالة الاقتصادية هو واجب المسؤولين وتحديدا القائمين على السياسة النقدية والمالية، حيث يتوجب عليهم التنسيق فيما بينهم للخروج ببرنامج عمل يسعى للتخفيف من المشاكل.
فلم يعد مقبولا اليوم من أي مسؤول كان، أن يقتصر دوره على التصريح بأن الأوضاع إيجابية، وأن التشريعات بحاجة لتعديلات فهذه السيمفونية باتت مستهلكة، ودور المسؤولين اليوم يحتم عليهم وضع حلول حتى لا يكونوا كالتي نقضت غزلها ولو بعد حين.
الانتقادات التي قدمها بعض المسؤولين تعكس عجزا في استنباط الحلول وتخل بدورهم الأساسي والمتمثل بحل المشكلات، وليس الاعتراف بها فقط، خصوصا أن الجميع باتوا يعلمون أن الحال الاقتصادية في غاية الصعوبة وليسوا بحاجة لاعتراف رسمي بهذا الخصوص.
وأكثر من ذلك، فإن المسؤولين يسعون جاهدين إلى إخفاء الحقيقة المرة التي تؤكد أن أزمة العام 1989 تطل برأسها، وتهدد بالعودة الى الوراء إن لم نحسن إدارة الموقف، والعمل بكل ما أوتينا من قوة للخروج من عنق الزجاجة الذي يخنق الاقتصاد.
إلى اليوم، ونحن بانتظار قرار حكومي لإجراء حوار وطني حول المأزق الاقتصادي لتشخيص الوضع وتحديد الأولويات، إذ من قال إن اقتراض البلايين لإتمام المشاريع الكبرى هو أولوية في وقت تعاني الدولة من ارتفاع خطير في حجم الدين "المعلن" والذي يتوقع أن يبلغ 12.4 بليون دينار نهاية العام الحالي، عداك عن الدين القائم على الشركات الحكومية، والذي لا يعلم أحد قيمته إلا الله ووزارة المالية والبنك المركزي.
ومن الذي قال إن التوسع في التوظيف في القطاع العام هو أولوية في وقت بلغت قيمة فاتورة الرواتب نحو 3 بلايين دينار والعجز 1.5 بليون دينار، خصوصا أن أية نفقات إضافية ستؤدي إلى تفاقم العجز لحدود خطيرة، تهدد بنتائج كارثية لا قدر الله إن لم نكن واعين تماما لتأثير مثل هذه الخطوات على البلد والاقتصاد.
قبل أن يأتي يوم لا ينفع الندم، على المسؤولين جميعا التدارس بعمق فيما نريد لتحديد الأولويات المهمة للبلد، لنرسم خريطة طريق توجهنا إلى حيث توجد المصلحة العامة ونمنع السقوط، نتيجة اللهاث وراء حلول مسكنة يعرضها البعض لحل مشكلات آنية أو تنفيذ مشاريع خيالية، تبدو مهمة في نظر البعض!.
اللحظة الراهنة تتطلب الحكمة والعقل، حتى لا يأتي يوم تتكشف فيه الحقائق ومساوئ الاقتصاد، وحتى لا نصل إلى نقطة اللاعودة.(الغد)