صور باهظة الألوان

تم نشره الأحد 21st تمّوز / يوليو 2019 12:54 صباحاً
صور باهظة الألوان
إبراهيم جابر إبراهيم

نحن نقضي الوقت بالرسم.
رسم أحلامنا، رسم أبطالنا، رسم المرأة التي سنحب، ورسم بلادنا، ورسم جوائزنا، والنهايات السعيدة التي سنحصل عليها (هل يتَّفقُ مع المنطق أن تكون نهايات وتكون سعيدة!).
وهنا بالضبط تحدث الخيبات. حين تتحطم صورٌ كثيرة باهرة رسمناها، هي غالباً ليست خيبات بالمعنى المضبوط، بل هي سوء تقدير، أو.. قلّة خبرة بالرسم!
نخطئ ثانية، حين نفرط في الإحساس بالخيبة، وسوء الظن في الصور التي تحطمت، رغم أن أصحابها أبرياء تماماً من ألواننا الفاقعة!
الصور التي نرسمها للأشخاص، ليست هي صورهم الحقيقية، فهي غالباً، أو حتى دائماً، مُزوّقة ومثالية وبألوان غاية في الإبهار.. حتى لو كانت ألوانهم الحقيقية باهتة ومنهكة ولا التماعة فيها.
نحن نرسم للناس الصور التي نحب أن نراهم عليها، وبمقاسات فضفاضة، تفاجئهم هم أنفسهم لو رأوها!
وكلنا آخر الأمر ضحايا صُوَر؛ صُوَر نرسمها وصُوَر لا تشبهنا يرسمها لنا آخرون، وصور حقيقية بالغة الأنسنة والطيبة لم ينتبه لها أحد (لا أحد يتذكَّر لك صورتك الأولى؛ الناس دائماً ما يحاكمون الصورة الأخيرة).
وللشخص حين يسقط من إطار مُعلّق على الجدار دويٌّ هائل.. يسمعه الرسّام وحده!
(تلك انتباهة القاتل لصرخة القتيل، أو فزع الصيّاد حين تسقط طريدته على ركبته).
فتلك الظلال التي يضيفها بعضنا لصورٍ في باله هي غير موجودة سوى في باله، وفي علبة ألوانه، وهي ظلال تذوب عند أول شمسٍ حامية أو شتاءٍ غزير أو حتى غيمةٍ ثقيلة، وهي ظلالٌ غير مخلصة، لا تفي بالغرض، ولا تعطي الصورة مقاساتها الحقيقية!
هي محض ظِلال مُضلِّلة، تقودنا ربما للتفكير في تلك العبارة المطبوعة على زجاج المرايا الجانبية للسيارات، والتي تحذر السائق إن نسي (الأبعاد والمقاسات التي تظهر في هذه المرآة غير حقيقية)!
ربما أننا نحتاج لأن تنطبع هذه العبارة في أذهاننا على الصور كلّها، وأن نتخيلها على ظهور الناس والمارّة والأصدقاء؛ كي نحمي أنفسنا من خيبة مُرّةٍ لاحقة، لا أحد مسؤول عنها سوانا!
والخيبات دروس؛ ربما دروس مُبالغٌ فيها، لكنها ضروريةٌ لننتبه لاحقاً لعبقرية الألوان والنسَب المطلوبة، والمسموحة، وأن لا نفرط في استخدام ما نحب من ألوان.. بقدر ما ننتبه لاستخدام ما هو حقيقي ومناسب للصورة!
نحن لن نرسم الصورة الحقيقية بحذافيرها، (من يجرؤ على ذلك؟).. ولن نعرف الأبعاد الحقيقية ولو مرةً واحدة، وسنظلّ نهجس بالألوان الفاقعة والزاهية، ونُعلّقُ حبال الزينة على بيوت من نحب، لكن الدروس أو الخيبات تجعلنا لاحقاً أقرب للرسم الحاذق؛ نرسمُ. ونزوّقُ أيضاً. لكنَّها بنسبةٍ ما؛ تجعلُ الخيبات لاحقاً أخفّ.
وتجعلُ صوت ارتطام البراويز، حين تسقط على الأرض، أقلّ صخباً!
وتجعلنا نحاول لملمة الصورة وقطع الزجاج بأقلّ ما يمكن من جروحٍ في اليدين!

الغد - السبت 20-7-2019



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات