ملاحظات حول المشهد الليبي

الملاحظة الأولى, كما في كل البلدات التي تشهد ثورات عربية, ثمة ثلاثة قوى رئيسية في المشهد: قوى الحراك الشعبي وقوى النظام القديم وقوى النظام التي تقدم نفسها للأمريكان كخيار مقبول. وكان ملاحظا في الحالة الليبية تصدع النظام الليبي بين الجماهيرية الكوميدية التي يتبناها الأب و بين العودة الى الجمهورية بدستور جديد, أو جهورية دستورية يدعو لها الابن.
الملاحظة الثانية, ان العقيد اليوم ليس العقيد الذي قصفت الطائرات الامريكية مركزه عام 1986 ، فمنذ 20 سنة على الأقل تحول العقيد تحولا كاملا نحو أوروبا والامريكان ودخل معهم في تحالف وثيق تحت شعار مكافحة الارهاب وهو ما يفسر التواطؤ الامريكي معه والمتمثل في محاولة الطرفين التعامل مع الثورة كما لو أنها مجرد أزمة تحتاج الى ادارة مفتوحة على تسويات متبادلة. ذلك أن القلق الأمريكي من الثورة لا يقل عن قلق العقيد نفسه ويعود ذلك الى أنه وبخلاف مصر وتونس التي سقط فيها الرئيسان المخلوعان وظل النظام كاحتياط امريكي برسم الترميم, فإن سقوط العقيد سقوط للنظام برمته.
وبالاضافة لذلك, تلعب عوامل أخرى دورا في التواطؤ المذكور, فمن التفاهمات الاستخباراتية الى اللوبي النفطي الشبيه بلوبي بوش الابن مع عائلات خليجية.
الملاحظة الثالثة: ان حديث العقيد عن دور ليبيا كجسر أمني عازل بين المصالح الرأسمالية الأمريكية والأوروبية وبين جنوب المتوسط المرشح لثورات متواصلة حديث مريب ومشبوه وبقدر ما ينطوي على ابتزاز و بيع الغرب بضاعة مكافحة الارهاب المعروفة والهجرة غير الشرعية, بقدر ما يؤشر على مصالح مشتركة فعلا بين الطرفين, وهو ما يفضح و يكشف أقنعة العقيد ومزاعمه حول الثورة العالمية وممانعته للأمريكان والعواصم الرأسمالية.
الملاحظة الرابعة: من دوائر الصراع الدولية المهمة ذات الصلة بالموضوع الليبي, الصراع على أفريقيا ونفط ليبيا وهو الصراع الذي يدور منذ سنوات بين الأمريكان و الفرنسيين و الصين, وقد ثبت حتى الان أن العقيد وأجهزته دخلا في لعبة مزدوجة مع الأطراف الثلاثه معا, فتارة يتحالف مع الصين في بلد محدد وتارة مع فرنسا وأخرى مع أمريكا, مما صعّب و يصعّب بناء اصطفافات دولية واضحة ضده.
الملاحظة الخامسة: ان حالة الانكار النفسية لم تتخذ عند العقيد الحالة نفسها عند مبارك, فها هي تأخذ أشكالا عنيفة و مدمرة, خصوصا وأنها تترافق مع شخصية مريضة أيضا.
الملاحظة السادسة: شبكة الرشوة العالمية التي أقامتها استخبارات العقيد مع مسؤولين و رجال أعمال وشركات وبنوك واعلاميين في أمريكا وأوروبا.
الملاحظة السابعة: أما نقاط العقيد القاتلة فأبرزها
1- ان الثورة الليبية جزء من طوفان شعبي عارم يذكرنا بثورات 1848 الاوروبية التي اجتاحت كل قلاع الاستبداد والفساد انذاك وأسست لثورات برجوازية ديمقراطية تاريخية
2- تبديد العقيد لرصيده القليل من خطابه الناصري في سنواته الأولى الى مساعداته المالية في حرب اكتوبر الى علاقاته القديمة مع حركات التحرر والتي حولها لاحقا الى سمسرة على هذه الحركات مع الاستخبارات الدولية, وقد توج العقيد تبديد هذا الرصيد بدفاعه عن الرئيسين المخلوعين في مصر وتونس. فضلا عن خطابه العنصري ضد العرب عموما.
3- تبديد العقيد لاصلاحاته الداخلية القليلة في السكن وبعض المشروعات الاقتصادية, وذلك من خلال سطوته مع انجاله على أموال الشعب الليبي وثروته.
4- طريقته الاجرامية في مواجهة الثورة الشعبية بالقتل الجماعي واستخدام المرتزقة, ما جعله هدفا حقيقيا للمحكمة الجنائية والرأي العام الدولي.